*الأستاذ يوسف أبو زر


تعقيباً على المقالة التي نشرها موقع ميادين بتاريخ 30/06/2022م تحت عنوان "المؤتمر القومي الإسلامي.. المعضلة والحل" للكاتب والباحث في الفكر السياسي وليد القططي كانت هذه المقالة.
لقد أوحى الله عز وجل بدين الإسلام إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وجعله رسالة الرحمة للعالمين، فجاء الإسلام بالتصور الصحيح عن الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وعن كيفية العيش في هذه الحياة الدنيا، فكان دينا كاملا ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ منه تؤخذ المعالجات وحلول المشكلات ومناهج الحياة، وقد نظم الإسلام حياة البشر، فانتظمت عقيدته وأحكامه حياة الإنسان بصفته الفردية، وبصفته جزءا من بنى مجتمعية طبيعية كالأسرة والقوم والقبيلة، وكذلك انتظمت حياة المجتمع والأمة، مستوعبة في كل ذلك اختلاف مكونات البشر اللغوية والعرقية، فكان مفهوم الأمة في الإسلام يقوم على الجماعة التي تقوم على عقيدة ووجهة نظر وطريقة في العيش.
لقد تسامى الإسلام بمفهومه للأمة عن غيره حين علا بها فوق الآفاق الضيقة عندما جعل علاقة الإنسان بأخيه، وعلاقة الأقوام بالأخرى والأعراق بغيرها علاقة منضبطة منظمة على أساس صحيح، بحيث لم يجعلها في مقابلة بعضها، بل بانسجام يحقق الثراء والتعاون ضمن رابطة الأمة الإسلامية الواحدة.
لم يلغ الإسلام طبيعة القوم ولم يهدم بنية القبيلة، فهي بنية مجتمعية طبيعية في البشر، وإنما وظفها توظيفا راقيا ليكون القوم حملة رسالة لهدى البشر، وهكذا لم يقصِ الإسلام العرب، كما زعم البعض وادعى، بل جعلهم حملة رسالة بعد جاهلية القبيلة، فهو لم يلغ طبيعة القوم والعرق واللسان والسمات الطبيعية فيهم، وكذلك لم يلغ غيرهم من الأقوام، وإنما نظم كل ذلك في علاقة مميزة فريدة ضمن مفهوم الأمة الواحدة.
أما الذي ألغاه الإسلام وأبطله فهو مسألة أن تُجعل القبيلة أساس الولاء وأن يجعل القوم أساس الارتباط، بل اعتبرها رابطة جاهلية، وهي في الحقيقة كذلك، وقد ألغاها حين أوجد بين البشر رابطة أكثر رقيا، وهي رابطة الفكر والعقيدة، أي رابطة الدين، وغني عن البيان أن هذه البنى الطبيعية المجتمعية كالقوم والقبيلة هي نفسها بحاجة لتنظيم عوضا عن أن تكون هي مصدرا للنظام، بحيث إن جعل الروابط البشرية على أساسها تهوي بالبشرية إلى الانحطاط، وتوجد الصراعات والحروب والتسلط والإلغاء، كما كان حال أغلب الصراعات والعلاقات عبر التاريخ.
وفيما سيعرف لاحقا بـالقومية العربية، فقد ظهرت فكرة القومية في البلاد العربية على غرار القوميات في أوروبا، تلك القوميات التي حالت دون الوحدة الأوروبية حتى اللحظة وشكلت فيها تاريخا من الصراعات، وقد كانت هذه القومية العربية - كحقيقة تاريخية وليس ادعاءً - صدعا في بنيان المسلمين ومسمارا دق في نعش دولتهم الجامعة، وضربة ضد المفهوم الإسلامي للأمة، وكانت طرحا نقيضا للإسلام.
أما أنها نقيض للإسلام فذلك أنها بطرحها استبدلت بالرابط الذي بناه الإسلام رابطاً آخر هو رابط القوم، كذلك استبدال مفهوم الأمة لتدخل حسب مفهومها أقواما وتخرج آخرين.
والأمر الثاني الذي تظهر فيه مناقضة طرح القومية للإسلام أنه إن كانت بنية القوم والقبيلة هي بذاتها بحاجة إلى التنظيم ولا يصح أن تكون هي نظام الارتباط، فإنها من باب أولى ليست مصدرا ممكنا لقانون أو تشريع لأي ناحية من نواحي الحياة، ومن هنا فإن ما عرف بالقومية العربية إنما كانت مجرد إطار فارغ عاجز عن تنظيم علاقة القوم حتى بأنفسهم، وهو الأمر الذي ألجأ القوميين لتضمين قوميتهم خليطا هجينا مستوردا من تشريعات الأقوام الأخرى وأفكارهم من علمانية واشتراكية ورأسمالية ومنخنقة وموقوذة، مما يناقض الإسلام، متنكرين في ذلك للإرث التشريعي الهائل القائم على الوحي الموجود لدى المسلمين عبر تاريخهم الطويل، وهو الأمر الذي ظهر وتجلى في طبيعة فكر الحركات القومية التي قطعت مع الإسلام، وفي أنظمة الحكم ذات الواجهات القومية التي أقصت الإسلام وحاربت عودته للحياة والحكم، كالأنظمة التي كانت وبادت كالناصرية، أو كانت ولا زالت كبقايا البعثية، لتكون في ذلك شاهدا على طبيعة العلاقة بين القومية والإسلام.
ولا يخفي أو يخفف من واقع تلك الحقائق السالفة أن تذكر القومية الإسلام على أنه مكون من مكوناتها ورافد من روافدها تاريخيا باعتبار أن الشعب العربي يشترك في الدين، في الوقت الذي تقصي فيه الدين وتطرح نفسها كهوية بديلة مغايرة لما يقتضيه الإسلام.
وعليه فإنه من الطبيعي لدى كل من يعمل لإنهاض الأمة الإسلامية على أساس الإسلام أن يكون له موقف من القومية باعتبار ما ذكر أعلاه، وأن تكون نظرته على اعتبار أن القومية كانت سهما ضرب في قلب الأمة، وأن الارتقاء بالأمة يستلزم إزالة كل فكر ساهم في ترديها، ومنها أفكار القومية العربية.

إن قضايا المسلمين على تنوعها واختلافها سواء أكانت قضية النهضة، أو قضايا الاستقلال والسيادة والتحرير، أو مشكلات الاقتصاد والاجتماع، لا تحتاج إلا لنظام الإسلام بمنهجه الواضح وحلوله الناجعة الصحيحة، ولعقيدة الإسلام التي لا زالت هي الدافع الأول المحرك لأبناء المسلمين ولرابطة الإسلام التي تشرك كافة أبناء الأمة الإسلامية وقواها في قضايا الأمة، وهي أبعد ما يكون عن الحاجة لما يسمى بالقومية العربية وأفكارها العلمانية ونماذج حكمها التي لم تزد الشعوب إلا مزيدا من البؤس والتسلط والتخلف.
وأخيرا فإن محاولات الجمع بين تيارات قومية وإسلامية والمزج بين رؤى القوميين والإسلاميين كما يجري أحيانا إنما هي محاولات مخفقة لا معنى لها، وإن تقاطع بعض القضايا لا يعني اتفاق المناهج ولا وحدة الغايات، بل إن جعل ما يطلق عليه "المقاومة" هو نقطة الالتقاء ليس في واقعه إلا التقاء مصلحيا اقتضاه التوظيف السياسي لأنظمة حاكمة.


﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين