بقلم:حسن المدهون
على غرار عادته منذ أن كان عضواً مفاوضاً في لجان أوسلو وصل نبيل شعث إلى غزة والابتسامة تملأ وجهه، وهو ما كان ينتظره الإعلام المستقبل له، لعل معه عصاً سحرية تقلب الخلافات إلى مودات، والسجالات إلى قبلات، والأحقاد التي سالت من أجلها الدماء إلى معانقات   حارة تملأ شاشات الإعلام، الذي لطالما حاول التكلم بلغة العاطفة التي تبدو بعيدة عن الواقع المعاش.
هذه الابتسامة التي علت وجهه والتي لم يعرف أحد لها سبباً منذ كان يخرج من غرف المفاوضات مع يهود، والتي لم نر بعدها سوى النكسات، ومثلها هذه الابتسامات التي سبقت وأعقبت الاجتماعات في الأيام الأخيرة مع قادة حماس وكأن المصالحة بين فلقتي السلطة قد أضحت في حكم المنجزة، والسؤال الذي يطرح نفسه أمام المشاهِد المحبط من تصرفات علّية القوم، ما الذي استجد؟ وهل السلطتان اللتان تتفقان على المطالبة بدولة في حدود ال 67 أدركتا أنّ خلافاتهما ما هي إلا شكلية، وما هي إلا خلافات على من يسبق الأخر في السير في المشاريع الغربية، أم أنّ كلاً منهما أدرك كارثة الانقسام كما يقول الإعلام ؟
المتابع للمشهد في المنطقة العربية يرى جدلاً ومداً وجزرا ً في المواقف السياسية أمام كل قمة عربية لجامعة الدول العربية لعل هذه الجامعة تحاول أن تحقق إنجازاً ولو ظاهرياً يغطي على فشل دولها وأنظمتها، ذلك الفشل الكبير على صعيد جميع النواحي السياسية، الداخلية والخارجية على حد سواء، فقبل سنوات سعت القمة العربية إلى ردم الهوة بين طرفي السلطة ولم تنجح إلا بمشاركة رمزي السلطتين  فتم لهما اتفاق مكة المشئوم، والذي أقر بالمبادرة العربية التي قال عنها شارون غداة طرحها بأنّها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به!.
ومن ثم حدث الاتفاق وحدث الاقتتال من بعده والانقسام، ورحلت القضية إلى حين رضا الراعي الأميركي، وإلى حين خروج جهود الوساطة المصرية التي احتكرت مشروع المصالحة المزعومة ، بل وحصرت فلسطين في غزة، والقضية في المصالحة. ومن ثم انشغلت القمم العربية الماضية وركزت على عدة قضايا منها المصالحة اللبنانية مرة أو مرات، وقضية البشير، ومحاولة إظهار معسكرين في المنطقة، أحدهما يحمل صورة بندقية الممانعة وآخر يمد يد الاعتدال، وقبل كل قمة تشتعل الزيارات والحوارات والوساطات، وينطلق المبعوثون والسفراء من وإلى العواصم العربية العتيدة لعلهم يقدمون أي انجاز يُطرح على طاولة القمم يغطي الفشل الكبير الذي لا يزال تتميز به دول هذه الجامعة.
وها نحن أمام القصة ذاتها، ويبدو أنّ الانشغال بملف المصالحة ومحاولة الوسطاء إيجاد مخرج لها بعدما أغلقت مصر، الراعي الحصري لجهود المصالحة، الأبواب حتى يتم التوقيع على ورقتها الشهيرة، ومن هنا كانت زيارة شعث لغزة ومعها هذا الاهتمام الإعلامي على الرغم من أنّ زيارة شعث وكما أعلن مكتبه لم تكن لبحث موضوع المصالحة بالدرجة الأولى، بل إنّ بعض الأطراف في حركة فتح قد وصفت الزيارة والشخص بأنّه لا يمثل إلا نفسه كما صرح بذلك عزام الأحمد.
فهل حقاً ستؤدي هذه الزيارة إلى المصالحة بين الطرفين؟ وهل يمكن اعتبار تصريحات قيادات حماس بأنّ هناك إجراءات على الأرض قريباً لتعزيز المصالحة والتمهيد لها بمثابة مقدمات للمصالحة أم أنّ الأمر لا يعدو غرض الاستهلاك الإعلامي؟
المتابع لأمر المصالحة يعلم بأنّ مصر قد أصبحت الراعي الوحيد للمصالحة بين الطرفين وحتى لو حاولت حماس مثلاً أن تنقل الأمر إلى سوريا فإنها لن تستطيع   ، بل إنّ الموقف المصري وفي تصعيده الأخير تجاه حماس إنّما يحمل النذر بإغلاق أية اتصالات بين الجانبين، أي حماس ومصر، إلا بعد التوقيع على الورقة المصرية. والمتابع لتصريحات قادة حماس في الآونة الأخيرة يدرك حجم المأزق والحصار السياسي الذي يمرون به، فمن إغلاق الباب المصري أمام قادتهم إلى دعوات مشعل المتكررة وعبر وسائل الإعلام لزيارة مصر وفتح باب الحوار المتعثر مرة أخرى والتي تُقابل بتهميش مصري، بل إنّ رسالته التي أرسلها إلى ملك السعودية قد فوجئ بها مشعل منشورة في الصحف المصرية مما يعكس توافقا في الضغط على حماس للقبول بالمبادرة المصرية والتي ستهيئ للانتخابات ولإدخال حماس في منظمة التحرير وغيرها من النقاط التي تسير فيما سارت فيه حركة فتح من قبل ذلك.
وبالتالي فهناك بعض المؤشرات على أنّ حماس قد توقع ورقة المصالحة والتي من بنودها التخلي عن جميع الأذرع العسكرية ودمجها في إطار الأجهزة الأمنية، وحصر المقاومة في المقاومة السلمية على غرار قرع الطبول ومسيرات الشموع، فهل تحاول حماس أن تهرب من ورقة المصالحة، بإعلانها أنّها ستقوم بخطوات على الأرض لتعزيز هذه المصالحة؟ أم أنّ هذا الأمر مجرد رسالة لمصر بأنّ حماس لديها منافذ أخرى إزاء جمود مصر تجاه ورقتها، أي أنّ ما حدث مجرد تكتيك ستذهبه الرياح؟.
وسواء أكانت الخطوة مقدمة للمصالحة بين الطرفين أم كانت جولة من الجولات التي استمرأتها الأطراف دون أية نتائج فإنّ أية مصالحة بين الطرفين لن تكون مصالحة حقيقية، بل إنّ تفاصيل الورقة المصرية تحمل في طياتها كثيراً من الأشواك التي ستصيب من تمتد يده لتوقيعها، ومن أمثلة هذه الأشواك لجنة الانتخابات التي يطالب كل فريق بحصة فيها، وغيرها كثير من المطبات التي ستجعل من هذه الورقة مجرد خطوة على طريق تصفية القضية وقبول الحركات الفلسطينية بكل ما من شأنه أن يحمي "إسرائيل".
ما كان ينبغي لقادة هذه الفصائل أن يجتمعوا على ورقة المصالحة المصرية التي تحفظ أمن "إسرائيل"، ولا يغفر لهم  أن يجتمعوا في إطار المحاصصة والتقاسم الوظيفي كما كان مطروحاً إبان اتفاق مكة بأن تتولى حماس مسؤولية الأمن بينما يقوم عباس بالمفاوضات وظهره مسنود وباله مطمئن!. 
لقد انطلقت الفصائل و جمعت حولها الأنصار والمؤيدين بدعوى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ثم قبلت بدولة على بعض بعض فلسطين! فلماذا لا تعود إلى ما ابتدأت به وهو تحرير فلسطين، وإن كانت لا تستطيع أن تقوم بهذا التحرير لوحدها، أو لا تستطيع أن تنكأ كيان يهود، فلا أقل من أن تبقى ترفض الاعتراف "بإسرائيل" ومشروعيتها.
وإن كان ثمة ما قد تتبناه القمة فهو إعطاء نوع من الشرعية للسلطة ورئيسها من أجل استئناف المفاوضات مع "إسرائيل" في خطوة تساعد رئيس السلطة على النزول عن الشجرة، ولذلك فما الفائدة من إتمام المصالحة وإعطاء نوع من الانجاز على طاولة القمة القادمة؟.
لقد كان ولا زال كثير من أبناء الفصائل الفلسطينية يغتاظون -وإن أخفوا ذلك عن الملأ- من خذلان حكام العرب لهم، وتحويل قضيتهم إلى قضية فلسطينية تتنازعها الأطراف المختلفة، فهل سيقوم قادة هذه الفصائل بتقديم الهدايا المجانية لهؤلاء الحكام من خلال توقيع ورقة المصالحة لتغطي على فشل هؤلاء الحكام وتظهر إنجازاً وهميا لهم على طاولة القمة القادمة!، أم سيتركوهم لفشلهم المفضوح أمام شعوبهم ؟.