لقاء مع الجعبري يبين فيه موقف حزب التحرير من انتفاضة السكاكين: غضبة للأقصى نتصدى لمحاولة تسخيرها للتحركات الدبلوماسية

تصاعدت الأعمال الشعبية في فلسطين ضد الاحتلال اليهودي منذ أسابيع متتالية، وأصبحت تتخذ طابع الانتفاضة، وتتابع معها طرح الحلول السياسية والتصورات الفصائلية لمستقبل هذه الانتفاضة، ومع ارتفاع الصوت السياسي لحزب التحرير في فلسطين، كان للراية هذه المقابلة مع الدكتور ماهر الجعبري عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين.

الراية: دكتور ماهر، بدون مقدمات، ما هو موقفكم من هذه الانتفاضة؟ والتي سبق أن أطلقتم عليها في مقالكم في الراية (عدد 47) انتفاضة السكاكين؟

الجعبري: حزب التحرير يحدد مواقفه السياسية مما يجري في الأمة بناء على مرجعية ثابتة، وهي الإسلام وأحكامه الشرعية، ومفاهيمه السياسية.

لذلك نقول بكل وضوح وصراحة أن حزب التحرير يثمن هذه العمليات البطولية، وفي الوقت نفسه نبين أنها لا يمكن أن تكون بديلة عن طريق التحرير الجهادي، ولا يتوقع من الانتفاضة لوحدها أن تقود للقضاء على كيان يهود، بل أقصى التطلعات منها هي أن تبقي جذوة الجهاد متقدة في فلسطين وتنقل عدواها إلى الأمة الإسلامية جمعاء.

2.الراية: يعني أنتم تباركون هذه الانتفاضة؟

الجعبري: موقفنا من الأعمال البطولية ومن الجهاد الفردي في فلسطين ظل دائما مبنيا على أساس مشروعية هذه الأعمال التي تؤلم يهود وتثبت هشاشة كيانهم، وتبيّن بالحس أن المسلمين عندما يتحركون بدافع عقدي ولأجل الشهادة في سبيل الله تخور أمامهم قوى جنود كيان يهود، وتبطل معهم دعوى إعلام الأنظمة الباطلة من أن كيان يهود قوة لا تقهر، بل هو نمر من ورق لا يصمد أمام القوة الإسلامية، واليهود جبناء أرعبتهم السكاكين وأحدثت فيهم أمراضا نفسية. ولذلك نُعلي من قيمة هذه الأعمال المشروعة التي تكشف عن أصالة المشاعر الإسلامية وحب الشهادة.

3.الراية: من يقف خلف هذه الانتفاضة؟

انطلقت الانتفاضة كهبة شعبية عفوية، وجاءت غضبة للأقصى ولحرائر فلسطين بعد هجمة كيان يهود الشرسة وما تضمنته من تحد عقائدي للمسلمين، ولم تكن خلفها أية قيادات فصائلية، بل إن سلطة رام الله كانت تسير ضمن المشروع الفرنسي (تفعيل وتمرير حل الدولتين)، وكانت حكومة غزة تسير ضمن مسار الهدنة حسب المبادرة الأوروبية كمشروع سياسي لحل مؤقت، أما أمريكا فقد دخلت سنتها الانتخابية التي تجمّد فيها ملفات القضية. أما الآن فتتزاحم على تجييرها العديد من القوى السياسية والفصائلية.

4.الراية: إذن، هل تحذرون من مؤامرات تقف خلفها؟

إن المتابع السياسي يلاحظ التآمر المستمر من قبل السلطة الفلسطينية ورجالاتها على كل تحرك مخلص في فلسطين، وقد سبق أن صرّح رئيس السلطة بأنه سيقف بالقوة ضد أي انتفاضة عسكرية، وجدد التأكيد على أنه لا يسير إلا ضمن نهج المفاوضات، لذلك سارعت رجالات منظمته وسلطته لركوب موجة هذه الانتفاضة قبل أن تتجاوزهم، وسارعوا لإبراز مطلب استجلاب قوات حماية دولية، بما يمثل خيانة لشهداء الانتفاضة لأنه استجلاب احتلال دولي، بدل التحرر، وبما يناقض الحكم الشرعي في حرمة تمكين القوى الاستعمارية من بلاد المسلمين.

وفي هذا السياق نحذّر ناصحين من مطالبة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، لما وصفه من مزاوجة العمل الميداني مع العمل السياسي الدبلوماسي، ونعتبر أن هذا الطرح حرف مبكّر للانتفاضة عن مسار التحرر، ومناقضة للثوابت التي خطتها حماس في ميثاقها، ومحاولة لإحياء مشروع الهدنة الذي كان يطبخ عشية الانتفاضة. وإذا قلنا أن حماس تسير على خطا فتح كما حصل في الانتفاضة السابقة، فإن الإخوة في حماس يتضايقون، فليبطلوا هذا الوصف بوقفتهم ومحاسبة قادتهم.

ولذلك نقول إن قادة الفصائل الفلسطينية بكل أسف يصرون على التحرك حسب منطق الحكام الذي ثبت فشله وبطلانه، وهم لا ينظرون خارج صندوق السلطة وحل الدولتين الأمريكي. وهم بهذه المواقف يباركون تخاذل الحكام، وتآمرهم في التخلّي عن قضية فلسطين، وفي سيرهم خلف المخطط الأمريكي.

5.الراية: مشاركتكم في جنازات الشهداء وفي بيوت عزائهم بارزة، هل هذا تغيير في حراك الحزب الشعبي؟

ظل موقفنا جليا في مباركة الشهداء، وفي حث الأمة على الثأر لهم، ولعل الشباب اليافعين ممن لم يعايشوا مسيرة الحزب لا يذكرون كيف كان موقف الحزب صارخا لدى اغتيال "خليل الوزير- أبو جهاد" رحمه الله، حيث قال الحزب في حينه إن ما يعدل تلك الجريمة هو النيل من رأس شاورن أو شامير.

ونحن إذ نقوم بواجب العزاء هذا، نبرز إسلامية القضية، وطابعها العسكري، ونحذر من تجييرها للحلول السياسية الأمريكية والأوروبية، ونفضح المطالبات بالقوات الدولية. وهذا عمل سياسي قوي، وقد أثبتت الوقائع أنه لا يمكن تغييب حزب التحرير، وأعلينا رايات الإسلام كرايات وحدوية لا حزبية ولا فصائلية.

6.الراية: بنظركم ما هي أسباب استمرار تلك الهبة؟

من الواضح أن نتنياهو أراد الهروب للأمام من استحقاقات حل الدولتين، وقد سبق أن قلت في مقال سابق في الراية أن حكومته هي حكومة تفخيخ سياسي، قابلة لتفجير الأوضاع، ولذلك فإن هذا العدوان اليهودي المستمر وعنجهية نتنياهو مع صمت السلطتين على جرائمه، ومع تخاذل الحكام، سيبقي النار مشتعلة في صدور الغاضبين، بل سيزيدها اشتعالا، مع تعاظم جرائم اليهود وما ينفذونه من اغتيالات ميدانية، التي طالت البنات صغيرات السن مثل بيان عسيلة، والمسنات مثل ثروت الشعرواي، نحسبهم جميعا شهداء ولا نزكي على الله أحدا.

إضافة لذلك، فإن أوباما قد صرح قبل أيام أنه لا حل قريباً لقضية فلسطين، وقد تكشفت التحركات الأمريكية الدبلوماسية عن نهج إدارة أزمة وتسكين أوجاع وفشلت.

7.الراية: ما هي العبرة المستفادة من هذه الأحداث ومن تأثيرها على كيان يهود ونفوسهم؟

خلاصة العبرة المستفادة أن تحرير فلسطين لا يحتاج إلا لقرار سياسي من دولة قادرة عسكريا على محو هذا الكيان من الوجود، وهو خائر القوى لطبيعة مكونه المتهالك. ونظرا لعمالة الأنظمة جميعها، فليس من المنظور أن يتخذ مثل هذا القرار إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي نعمل مع الأمة لانبثاق فجرها عما قريب، ولذلك ننادي بأن تلتحم ثورة الأمة نحو الخلافة، مع انتفاضة أهل فلسطين، ليتوحد الجميع على صوت إسلامي واحد.

للمزيد من التفاصيل