تعليق صحفي

أمة مقهورة تفتقد علماءها في التصدي لأعدائها

 

نقلت الجزيرة نت والبي بي سي عن الشيخ القرضاوي أنه يؤيد التدخل العسكري الأمريكي ضد سوريا، وأوردت الجزيرة نت الخبر تحت عنوان (القرضاوي "يؤيد" ضرب النظام السوري( بتاريخ 30/8/2013، وكان القرضاوي قد خطب قبل أسابيع مستنصرا أمريكا من أجل وقفة حق.

وخلال الأيام والأسابيع الماضية عجّت وسائل الإعلام المصرية بفتاوى وأطروحات للشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق تدعم قمع الجيش المصري للمتظاهرين ضد الانقلاب في مصر وتوفر الغطاء لإراقة دماء المسلمين، معتبرا أنهم خوارج (الرياض بتاريخ 27/8/2013). وكان الشيخ السديس خطيب الحرم المكي قد بارك الانقلاب في مصر وثمّن موقف حكومته في دعم السيسي (الشروق أون لاين 23/8/2013).

أما الشيخ القرضاوي فقد أفتى بحرمة الخروج على الرئيس مرسي ونشرت الجزيرة نت بتاريخ 25/7/2013 خبرا بعنوان (القرضاوي يحرّم الاستجابة لدعوة السيسي)، وكان الدكتور محمد عمارة قد اعتبر "إن للرئيس المنتخب ديمقراطيا بيعة قانونية وشرعية في أعناق الأمة" (رصد بتاريخ 14/7/2013)

وقد أدى ذلك إلى تصادم وتراشق لفظي بين العلماء الذين وقفوا مع السيسي وأولئك الذين وقفوا مع مرسي.

 

لا يخفى على المتابع المنصف أن أمريكا هي اللاعب والمتلاعب بالنظام المصري وأركانه قبل الثورة وبعدها، وبعد الانقلاب، وأن أمريكا هي اللاعب والمتلاعب بالنظام السوري وبمعارضة الفنادق، ولذلك فهي اللاعب والمتلاعب بهذه الفتاوى السياسية التي تُسخّر الحكم الشرعي لخدمة غايات الحكام العملاء، الذين يسبّحون بحمد أمريكا ويسعون في مصالحها.

ولا يحتاج المسلم لأدنى علم بالأحكام الشرعية ليقف بقوة ضد التدخل الأمريكي في سوريا وضد هيمنتها السياسية في مصر، ولكن "العلماء" الرسميين المسخرين أنفسهم وفتاواهم لأجندات الحكام يتجاوزون ذلك الوعي الشرعي ويقفزون فوق حقيقة الإسلام الذي جاء لتحرير العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ويصرّون على دفع الناس للعبودية لأمريكا ولعملائها من الحكام باسم الإسلام.

فأي جريمة شرعية هذه التي يمارسها العلماء ضد أمة مقهورة هي في أشد الحاجة لهم لوقفة حق ضد أمريكا وهيمنتها وجرائمها في إراقة دماء المسلمين في الشام وفيما قبلها!

وكذلك لا يحتاج المسلم لكثير فقه ليدرك أن السيسي ومرسي تنازعوا كرسي حكم علماني وتجادلوا على دستور علماني باطل شرعا يتصادم مع قطعيات القرآن الذي قال "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"، وقد استقرّ في وعي الأمة أن البيعة لا تكون إلا في نظام الخلافة الذي يطبق الشريعة ولا تكون أبدا لحاكم علماني يطبق الديمقراطية الرأسمالية.

ولذلك فكل محاولة لاستحضار حكم الخروج على الحاكم - الخليفة، ومحاولة إلزام الأمة ببيعة "ديمقراطية" هي التفاف على النصوص وتوظيف للأحكام في خدمة الحكام سواء كانت في خدمة السيسي أم مرسي، ولا يدّعي عاقل مدرك أن ثمة حاكما شرعيا (خليفة) حرّم الإسلام الخروج عليه بين جوقة الحكام قبل الثورات وبعدها، لأنهم كلهم ظلوا أمناء في الحفاظ على علمانية الأنظمة وعلى تبعيتها للغرب، وقد أصروا على رفض نظام الخلافة، التي تستوجب بيعة الأمة وتستوجب السمع والطاعة من المسلمين في عموم الأرض، لا في مصر وحدها.

وأمام هذا التوظيف السياسي للفتوى لصالح الأنظمة والحكام، يبحث المتابع عن هامات العلماء الأفذاذ ممن كانت فتاواهم تهز العروش من مثل العز بن عبد السلام، فلا يجد -على فضائيات الأنظمة- إلا فتاوى تسند العروش فوق أكتاف الشعوب المضللََّة.

إن هذا التراشق بين العلماء قد كشف عنهم الغطاء الذي أحاطوا أنفسهم به تحت دعوى "لحوم العلماء مسمومة"، فهم قد نهشوا لحوم بعضهم في خدمة أسيادهم واستمرؤوها، وليس مقبولا دفع الناس لأن تطأطئ رؤوسها في حضرتهم، فقد وقفت امرأة لمن هو أعلى منهم هامة وقامة وعلما (عمر بن الخطاب) وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين له خطأ ما ذهب إليه من حكم شرعي. ولذلك يجب على المسلمين أن يتخلصوا من محاولات تقديس علماء السلاطين، وأن يتصدوا فكريا وشرعيا لفتاواهم السياسية المصلحية.

إن الفتوى الشرعية أمانة، إذ هي إخبار بالحكم الشرعي المستند إلى دليل شرعي من الوحي، ولذلك فهي إخبار بحكم الله -القاهر فوق عباده- وهي بذلك مسئولية كبيرة تغيب في هذا الزمن الذي تهيمن فيه أمريكا ورجالاتها على المشهد السياسي، والذي تحرّك فيه الأحداث الرسمية وتبدل الأنظمة والحكام، مما يدفع للتساؤل عن حقيقة انتماء العلماء الرسميين: أهو للأمة ولمشروعها الحضاري أم لأمريكا ومشروعها الرأسمالي الاستعماري؟

أيدركون قول الله:

(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)

3-9-2013