تعليق صحفي

الاستيطان والمفاوضات، تركيبة غير مفهومة لولا نذالة السلطة

 أفرجت (إسرائيل) فجر الأربعاء 14/8/2013 عن 26 أسيراً فلسطينياً عشية استئناف مفاوضات السلام في القدس (الجزيزة)،بعد يوم من إعلان (إسرائيل) نيتها بناء 942 وحدة سكنية جديدة في حي غيلو الاستيطاني بالقدس الشرقية، مع إمكانية بناء 300 وحدة أخرى في مرحلة لاحقة، وذلك على الرغم من التحذيرات الفلسطينية بوقف المفاوضات، وتأتي هذه الموافقة بعد يوم من إعلان وزارة الإسكان نيتها عطاء طرح لبناء 1200 وحدة سكنية جديدة منها 394 في الضفة الغربية و793 في مستوطنات شرق القدس. (روسيا اليوم) وهو ما دفع نتنياهو (رئيس وزراء دولة يهود) إلى التهديد بوقف الافراج عن الأسرى إذا انسحبت السلطة من المفاوضات مع إصراره على مواصلة بناء المستوطنات. (الوسط اليوم)

 وفي المقابل قال مسؤولون في الحكومة (الإسرائيلية)، إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، كان على علم بنية (إسرائيل) الإعلان عن مخططات بناء في المستوطنات في القدس المحتلة والضفة الغربية، وإنه “دفع ضريبة كلامية” للفلسطينيين عندما وبّخ إسرائيل بعد إعلانها عن مخططات البناء هذه. (القدس العربي) وبالأمس أعلن الأحد 18/8/2013 عن تقديم الولايات المتحدة الامريكية 148 مليون دولار لدعم موزانة السلطة الفلسطينية التي تعاني عجزا ماليا قيمته 3ر1 مليار دولار هذا العام.(الدستور)

من يقرأ الأحداث الواردة أعلاه لا يمكن إلا أن يُصاب بشيء من الاستغراب أو الذهول، فمن جانب تسير دولة يهود في المفاوضات مع السلطة في حين تواصل بناء المستوطنات، وهي النقطة التي من المفترض أن تستفز السلطة وأمريكا على اعتبار أنها كانت الصخرة الكأداء أمام استئناف السلطة للمفاوضات إبان كان عباس صاعدا على الشجرة، ودولة يهود تعرف ذلك وتعرف قصة الشجرة التي صعد عليها عباس، فتهدد بعدم الإفراج عن ال 26 أسيرا الذين وعدت بالإفراج عنهم كمكأفأة وثمرة لنزل عباس عن الشجرة نزولا صاروخيا دونما سلم.

وفي الجهة المقابلة، تتسرب الأخبار عن موافقة أمريكا وعلمها المسبق بهذه الخطوة (الإعلان عن بناء وحدات استيطانية) وأنّ موقفها الرافض أو المستنكِر لم يكن أكثر من "ضريبة كلامية" تسويقية، من ثم تعلن عن 148مليون دولار لدعم موزانة السلطة الفلسطينية.

أما الطرف الثالث، السلطة، فبعد أن ملأت الدنيا صراخا وصخبا بأنّها لن تقبل المفاوضات مع استمرار البناء الاستيطاني وبعد الشجب والاستنكار الخجول للخطوة الأخيرة، لم يكن منها إلا أن أكملت مشوار المفاوضات ورحبت بالإفراج عن ال 26 أسيرا وبالأموال التي قدمتها أمريكا لها، ترحيبا شديدا في أجواء احتفال وسرور.

وهذه المفاعيل الأخيرة في ظل ما تثيره من استغراب أو ذهول لا يمكن أن تُفهم إلا في ظل ما يلي:

1-         أنّ السلطة الفلسطينية ما هي إلا أداة رخيصة بيد أمريكا تحركها كيفما تشاء ووقتماء تشاء، فهي تتركها تصرخ وتصيح حينما لا يكون في جعبة أمريكا مشاريع تريد إنجازها، وعندما يحين وقت العمل فتناديها لتأتي طائعة ملبية منفذة لما تريده الإدارة الأمريكية دونما نقاش أو تحفظ.

2-         وأن ّكل ما يخرج من عويل وصراخ من السلطة إنما المقصود منه أهل فلسطين، فالسلطة لا يوجد لديها أية ثوابت أو قيم، وكل ما يهمها بعد رضى أسيادها هو محاولة الضحك على أهل فلسطين وامتصاص نقمتهم، ولو كانت تعلم السلطة أنّ أهل فلسطين مثلها في الخسة والنذالة ما شجبت ولا استنكرت شيئا، ولأن أمريكا ويهود يدركون ذلك فهم يمدونها بشيء من الإموال والإفراج عن الأسرى لمساعدتها.

3-         أنّ أمريكا سواء كانت على علم بتلك الخطوة الأخيرة أم لا، فهي لا يمهما سوى مصالحها الاستراتيجية والتي لا تبتعد كثيرا عن مصالح دولة يهود لولا جشعهم وطمعهم المعهود واللامحدود، فكلتاهما يربطهما العداء للمسلمين ولأهل فلسطين، وكلتاهما ينظران بعينيهما إلى الأوضاع التي تغلي في الشرق الأوسط والتي تفوق أهميتها سلطة هزيلة وتتعداها إلى ضرورة المحافظة على أجواء تسهل لهما العمل على صعيد المنطقة، فالمهم لديهما أن تسير عجلة المفاوضات ولو طحنا للماء.

وهذا ما يوجب أن يكون لأهل فلسطين الكلمة الفصل في القضية، إذ يجب أن تعلو الأصوات وتصدح الحناجر برفض السلطة ومشاريعها والبراءة منها ومن كل ما تبرمه، لوضع حد لجرائم السلطة ومنكراتها.

21/8/2013