حزب التحرير وأجوبته السهلة على "الأسئلة الصعبة"

 

 

بعقلية إعلامية منفتحة وبقدر مُلاحظ من المهنية والموضوعية جاءت محاولة شبكة معاً الإخبارية للتعاطي الإعلامي مع الحضور السياسي لحزب التحرير في فلسطين، خارجة قليلاً عن حدود النص الصحفي المنضبط بإيقاع أبواق الأنظمة والمحدد بمقص رقابتها. فجاء التقرير الصحفي الذي نشرته وكالة معاً على موقعها بتاريخ 5-10-2009 تحت عنوان "حزب التحرير بين صعوبة التنظيم ورحمانية الأفكار"والذي تناول بعض ما دار في برنامج الأسئلة الصعبة الذي بثته شبكة معاً مساء الاثنين 12-10-2009، بتقريره الإعلامي المصور الذي استُهل به البرنامج، كمحاولة –غير مكتملة- من قبل شبكة معاً لوضع الحزب على طاولة الإعلام، في ظل الطوق الإعلامي الذي فرضه عليه الإعلام الرسمي والفضائي وغيرهما ممن انساق أو استجاب لرغبة الأنظمة، إذ على الرغم من تميز حزب التحرير في منهجه وفكره، وعلى الرغم من قوة مواقفه التي تتمايز عن باقي الأطروحات السياسية والفكرية، وعلى الرغم من نشاطاته الجماهيرية الحاشدة، والفريدة كالمؤتمر الاقتصادي بالسودان ومؤتمر العلماء بإندونيسيا، إلا أن أخباره ونشاطاته لا تحظى بعشر معشار التغطية التي تحظى بها كثير من الحركات والأحزاب وحتى الجمعيات والنوادي الصغيرة.

 
ولقد كان البرنامج موفقاً في توضيح عالمية الحزب وعمله السياسي والفكري، فالحزب يقوم بعمله على مدار العام وفي أكثر من أربعين بلداً، وتتوالي إصداراته الفكرية والسياسية يومياً على مستوى الأمة الإسلامية وقضاياها، وتتابع إصداراته الإعلامية من بيانات وتصريحات صحفية كل جديد وكل ما يستحق موقفاً. وكذلك كان البرنامج منصفاً بعض الشيء حينما عرض ما يلاقيه الحزب من المنع والقمع من الأنظمة العربية والغربية، ومن السلطة الفلسطينية كما هو ملاحظ ومشاهد خلال السنوات الأخيرة، وليس آخرها ما قامت به من منع عقد المؤتمر الأخير للحزب في رام الله واعتقال المئات من شبابه. وكما فعلت السلطة في غزة حينما شنت حملة اعتقالات طالت العشرات من شباب الحزب وأحد أعضاء مكتبه الإعلامي على إثر توزيع الحزب لنشرة "سلطة حماس تتبع سنن سلطة فتح شبرا بشبر وذراعا بذراع". ثم ما تقوم به السلطة الفلسطينية من إرهاب وسائل الإعلام بتهديدها لإجبارها على عدم تغطية فعاليات الحزب، وما حصل من حالات ضرب الصحفيين والمراسلين ممن يحضرون لتغطية نشاطات الحزب الجماهيرية. ثم إن البرنامج، لم يجانب الصواب حينما قال بأن الحزب لا يعترف بعلم فلسطين "علم سايكس بيكو" ولا بشرعية السلطة ومؤسساتها بدءًا برئيسها وانتهاءً بأجهزتها الأمنية.
 
لكل شيء إذا ما تم نقصان
لقد كان اختيار شبكة معاً موضوع حزب التحرير، والتعتيم الإعلامي المفروض عليه اختياراً موفقاً من حيث الموضوع والمضمون، خاصة في ظل التنامي الملحوظ للحزب في فلسطين وعبر العالم كله، وقد بات يفرض نفسه على الساحة السياسية والفكرية والإعلامية، مستمرا على مواقفه التي يطرح من خلالها رؤيته لشتى القضايا الفكرية والسياسية التي يتعرض لها المسلمون في أرجاء العالم، وثباته على دعوته لإقامة الخلافة، والسبق الذي تميز به في الدعوة والعمل للخلافة وتجميع المسلمين نحو هذا الفرض العظيم، على الرغم من محاربة الأنظمة للحزب وأجواء الإرهاب الفكري والمادي التي يواجهها حيث نشاطه.
وحيث أنّ كل جهد بشري يظل خاضعا للنقصان والخطأ، فقد احتوى التقرير المصور وما تلاه من حوار في برنامج الأسئلة الصعبة، بعض الأخطاء الفكرية والسياسية بحق حزب التحرير ومنهجيته في العمل والطريقة التي يتبناها، لعلها ما كانت لتظهر لو سلك البحث طريقة منهجية في الرجوع إلى أدبيات الحزب وأعضائه وممثليه الإعلاميين بصورة أكبر، من أجل تبيان هذه القضايا، بدلاً من جعل تفسيرات خاصة وأفهام مغلوطة لبعض الباحثين هي التي تقدم صورة الحزب.
وهذه مراجعة إعلامية للبرنامج نضعها بين يدي وكالة معا كخطوة نحو استدراك التقصير من قبل جهاز إعلامي يسعى لأن يكون مميزا، لعله – على نهجه من الانفتاح - يضعها في خانة المواضيع المميزة على صفحة معا، كما وضع التقرير المذكور بتاريخ 12/10/2009، وعلّها تكون مفتاحا لبرنامج أكثر دقة عن حزب التحرير في شبكة معا مستقبلا.
 
أشبه بمحاكمة غيابية
أليس غريبا أن تجد في محاكمة القضاة والمدعي والمدعي العام والشهود كلهم موجودين، ثم تنظر فلا تجد من عُقدت من أجله المحكمة موجودا، إلا في شهادة عابرة لا تسمن ولا تغني من جوع. وهذه المرة ليس لأنه فار من "العدالة" أو مسافر خارج البلاد بل لأنه ممنوع من الكلام والحديث عن نفسه. فماذا يفيد المتهم محاولة إنصاف القاضي له، إن لم يسمع أحد حجته أو وجهة نظره! لعل هذا المشهد وحده أكبر برهان على كذبة الحريات التي تتشدق بها الأنظمة، حتى وصل الأمر إلى مجرد الخوف من سماع الكلمة، وربما هو الخوف الذي عبر عنه البرنامج من تعاظم الحزب إلى درجة قد تمكنه من استلام الحكم فتنقلب الأمور.
 
دقة التنظيم أم ماسونيته
صحيح أن الحزب يتمتع بدقة تنظيم عالية جعلته مضرب مثل على المستوى العالمي، ولكنه في الوقت نفسه جهري الدعوة والتنظيم، فلا شيء عنده يستدعي السرية طالما أنّ فكره هو فكر الإسلام، ومنهجه هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما وجود مكاتب إعلامية في كثير من البلاد التي يعمل فيها الحزب ومنها فلسطين وخروج الحزب إلى الشارع في تجمعات ضخمة، وطرحه لأفكاره بقوة دون مواراة أو مدارة إلا دليل على علنية أفكاره وتنظيمه.
ويبدو أن إقحام التشبيه المشّوه قد ورد إلى معد التقرير من غيره، أو أن العبارة قد خانت معد التقرير في المعنى والمبنى عندما شبّه آليات انتخاب أمير الحزب أو تعيين إدارييه بما يحدث في خيالات أساطير الحركة المسماة "الماسونية"، ولعله قد أختار هذا التشبيه من باب الظن بتحقيق "الخبطة" الصحفية، والتمرّد على حدود الألفاظ والمعاني، إلا أنه لم يفطن إلى أن هذه اللفظة توحي بكل ما هو مقيت ومذموم. وأنه من الإجحاف أن يتم ربط صورة الحزب الذي يسعى بكل جهده لتطبيق الإسلام وهداية البشرية وبين صورة حركة مجرمة تسعى لإغراق البشرية في الظلام، لا لشيء إلا لأن معد البرنامج - أو من "بحث"- قد أشكل عليه أن يعرف كيف يتم انتخاب أمير حزب التحرير، والسبب البسيط الذي يوضح سبب سرية بعض أمور الحزب هو الاضطهاد والملاحقة والتعذيب التي تمارسها الأنظمة ضد الحزب، فإذا كان من يلقى خطبة أو يوزع نشرة أو يشارك في مسيرة يلقى كل هذه الملاحقة والاضطهاد، فهل يعقل أن تنتخب قيادة الحزب في العالم كله في حديث علني في رام الله أو في شوارع عمان؟
 
لا ندري ما الذي سيفعله الحزب في تجمعه
"لا ندري ما الذي سيفعله الحزب في تجمعه" بهذه العبارة برر قائد الأجهزة الأمنية في الخليل، سميح الصيفي، قمع السلطة لمسيرات الحزب السلمية، مؤكدا بأنّه منع أصحاب الصالات من استضافة فعاليات الحزب. فإذا كان إلى هذه الدرجة من الدقة والعمق في التفكير، ألم يقده "عمقه" إلى إدراك أنّ الحزب حزب سياسي ولا يرتبط بأي عمل مادي أو عسكري، فماذا سيتوقع الضابط من تجمعات حزب التحرير ؟ سوى طرح الإسلام الخالص النقي كما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم، وليس كما يهوى من يأكل من خبز السلطان.
 
 
القيام بالفرض الشرعي لا يحتاج إذن أحد
رجل القانون يدعي بأنّ الحزب لا يطلب الإذن لنشاطاته ولو طلب الإذن لنشاطاته لسهّلت له السلطة نشاطه، والتقرير اعتبر أن الحزب يتحايل على القانون بإرسال علم وخبر إلى الجهات المختصة. يبدو أن المسألة عند السلطة مسألة عنتريات فارغة وبحث عن سيادة مفقودة، فالقانون الذي يتذرعون به لا ينص على طلب إذن وترخيص، بل يؤكد قانونهم على حق الأحزاب في التجمع السلمي دون مضايقة أو عرقلة أو حضور لأفراد الشرطة، وأقصى ما يطلبه في التجمعات العامة في الأماكن العامة هو توجيه إشعار إلى الجهات المختصة قبل 48 ساعة من النشاط. وهو ما أكد عليه الحزب أكثر من مرة في بياناته حينما فضح أمر السلطة بأنّها مصرة على أن تدوس على القانون بقدميها استجابة لأوامر دايتون.
الغريب في التقرير أنه يدعي أن الحزب يطلب من الدول الغربية الأذن للقيام بنشاطاته بينما لا يطلب الإذن من حكام بلاد المسلمين، وهذا يدل على عدم معرفة بالواقع في الدول الغربية، حيث لا الحزب ولا غيره مطالب بترخيص الأعمال الجماهيرية كالمسيرات والمظاهرات، بل المطلوب هو "إخبار" الشرطة بتفاصيل العمل، لتكون في خدمة القائمين بالعمل وتنظيم السير من أجلهم، أما الأعمال الأخرى كالندوات والمحاضرات فلا يطلب من أجلها شيء أبداً.
وعلى كل حال، فإن موقف الحزب واحد أينما كان، لأنه حزب واحد له فكر واحد وضوابط واحدة وهي الضوابط الشرعية. وفي هذه المسألة سبق وبيّن الحزب رأيه قائلا بأن الشرع يجيز له أن يلتزم بقانون لا يظلمه حقه ولا يخالف شرع الله، ولكنه لا يكترث لقانون يخالف الشرع ويمنع الحق.
 
ما الذي سيضمن حزب التحرير عندما يصبح في الحكم بأنه لن يفعل ما يفعله من هم اليوم في الحكم؟
بهذا السؤال توجه الأستاذ ناصر اللحام إلى غير وجهته الصحيحة، وكأن الناطق باسم الأجهزة الأمنية له الحق في الحديث عن حزب التحرير وكأن الجهات الأمنية مخولة بإعطاء الرأي نيابة عن أصحابها، وهو ما يخالف المنطق الذي يتحدث به مقدم البرنامج من إعطاء "حرية الرأي" وما شاكلها. وهنا يجدر تسجيل الملاحظات التالية:
1- ما علاقة "ما قد يفعله" الحزب إذا تولى السلطة بموضوع الحقوق السياسية الشرعية، التي لا يجوز انتقاصها أو انتهاكها؟ إن المنطق الذي يعكسه هذا السؤال وتعكسه ممارسات السلطة هو كما يلي: فلان "قد" يسرق مالي إذا تمكن منه، ولذلك فإن علي أن أسرق ماله الآن، وهكذا يكون تطبيق هذا المنطق على الحزب وعلاقته مع السلطة: فكأن السلطة تقول (بحسب سؤال الأستاذ اللحام): نحن (السلطة) نخمّن أنكم إذا وصلتم إلى الحكم فإنكم لن تراعوا حقوق الإنسان أو حق التعبير، الخ....، وعليه فإننا بناءً على تخميننا، سنحرمكم من الحقوق التي جعل الله لكم. أهكذا يكون المنطق وتتصرف "الدول" أم أن هذا لشريعة الغاب أقرب ؟!
2- لقد كان الضميري مسئولاً كبيراً عن تطبيق "القانون"، والأستاذ اللحام يعرف القانون معرفة جيدة، فهل ورد في القانون أنه يُطبق على الناس بحسب تصرفاتهم المحتملة إذا وصلوا إلى السلطة ؟
3- لا بد من التوضيح مرة أخرى، أن الحزب لا يسعى لأخذ السلطة في فلسطين، فإن فلسطين تحت الاحتلال ولا سيادة فيها لأحد غير الاحتلال، وهذا يخرجها من الأماكن التي يسعى الحزب للوصول للحكم فيها، وهي لو قدمت إليه على طبق من ذهب، فإنه يحرم عليه شرعاً أن يأخذها.
4- أخيراً، نقول إن من السهل على كل المراقبين أن يعرفوا ماذا يفعل الحزب حين يصل إلى الحكم ويقيم الخلافة: لقد سطر الحزب شكل نظام الحكم الذي سيطبقه في كتبه المتبناة، بشكل تفصيلي لا إجمالي، ووضع دستوراً ومقدمة دستور (الأسباب الموجبة)، وهو ثابت على فكره رغم كل العواصف والأهوال، لم يغير. إن غير حزب التحرير من الحركات والأحزاب والجماعات، كانت ولا تزال تقود الناس على أساس فكر عام ضبابي غير محدد، ولذلك يكون لها مهرب إن تخلت عنه، وغيرت وبدلت تحت ضغط الظروف، فمواقفها التفصيلية من القضايا غير مفصلة، ولا منشورة لا في كتب اقتصاد ولا اجتماع ولا سياسة، ولا في دستور ولا مقدمة دستور. أما الحزب فإنه يقدم تصويراً شاملاً ودقيقاً وتفصيلياً، للحياة التي يريد أن يقدمها للأمة.
 
عندما يجري الحق على لسان الظالم
حديث الضميري والذي كان من ضمن ضيوف البرنامج حول أن الحزب لا يقر ولا يعترف بما يسمى النظام الفلسطيني، ولا يقر برموزه كالعلم الفلسطيني، بل وبرئاسة هذه السلطة الهزيلة التي لا تستطيع التنقل ما بين الجدار والجدار إلا بإذن المحتل، هو كلام صحيح أجراه الله على لسان من يدافع عن أجهزة يشرف علي تدريبها وإعدادها الجنرال الأميركي دايتون، وتتوسل المعونات لدفع رواتب موظفيها ومنهم الضميري لقاء ما تقوم به من سخرة سياسية كي تبقى قابلة للحياة.
أليس من المغالطة أن يتحدث الضميري عن الرموز السيادية ؟ فهل هناك طفل صغير في فلسطين لا يعرف أن السلطة لا سيادة لها ولا سلطان ؟
ثم يسهب الضميري في عرض مواقف الحزب وبأنه لا يعترف بالسلطة وهذا كلام صحيح، إلا أن محاولة الزج بالحزب في إطار التكفير وأنه يكفر كل من خالفه، هي محاولة فاشلة، ونتساءل أمامها: أكان يقصد ما يقول ويفهم ما يعنيه كلامه ؟  أم كان كمن يهرف بما لا يعرف ؟ فيكفي أن يتذكر الضميري أن حزب التحرير لم يكفّر حتى أفراد من الأجهزة الأمنية الذين أطلقوا النار على البرادعي في حياته وفي موته حين تعرضوا لجنازته !
 
قمع وتعذيب وحرمان من الحقوق الشرعية
يتحدث الضميري وهو الذي يمثل القانون الفلسطيني، ويتحدث باسمه، عن موضوع المواطنة واشتراط اعتراف الحزب بالنظام السياسي الفلسطيني قبل السماح له بممارسة حقه السياسي، وضرب لنا مثلاً بأمريكا، ونسي البون الشاسع بين الحالين، فقال في أمريكا من يريد أن يصبح مواطناً يقسم على الدستور وعلى الولاء للبلد. نقول أولاً إن أمريكا ليست مرجعاً في الصواب والخطأ، وثانياً فإن ما وصفه الضميري في تجنيس الأجانب، وليس في حصول المواطنين على حقوقهم في أمريكا، وعليه فإن المنتظر من السلطة الفلسطينية أن تدعو الشعب الفلسطيني فرداً فرداً ليقسموا قسم الولاء لدايتون حتى تتصدق عليهم السلطة بالحقوق السياسية، ومن المتوقع أن تنشأ معضلة قانونية وإجرائية لدى السلطة فهل ستطبق قسم الولاء على مناطق أ. أم مناطق ب. أم مناطق "سي"، حيث من المؤكد أن يتساءل بعض الناس خاصة في مناطق "سي" هل نقسم قسم الولاء لسلطة لا تستطيع أجهزتها الأمنية أن تصلنا إلاّ بعد الحصول على الإذن من جيش اليهود، وأخيراً لعل من المفيد التذكير بأن أهل فلسطين وحزب التحرير موجودون قبل سلطة أوسلو وقبل منظمة التحرير.
 
هل يلزم أن تسيل الدماء حتى يرانا أكرم عطا الله
أولاً نكبر في الأستاذ أكرم عطا الله إنصافه للحزب فيما يتعلق بحقه في ممارسة نشاطاته السياسية غير العنيفة، دون أي تدخل أو تقييد من السلطة. ثم نتساءل: هل كان يتكلم الباحث السياسي أكرم عطا الله عن غزة أم عن غيرها عندما قال بأنه لا نشاطات لحزب التحرير في قطاع غزة بعد الانقسام الذي حصل ؟ ألم يتابع الأستاذ وسائل الإعلام التي نقلت فعاليات الحزب الأخيرة ومنها قناة الجزيرة التي بثت ما يقارب الأربعين دقيقة من مهرجان الحزب الذي جمع الآلاف؟ وهل غاب عن الأستاذ نشاطات الحزب الدائمة التي يعقدها في المراكز والمساجد والقاعات؟ ألم ير المسيرات التي خرجت بالآلاف تجوب شوارع غزة؟
 ولنفترض أن الباحث السياسي هنا لم يقرأ عن حزب التحرير ونشاطاته، وكان مسافراً خارج البلاد أكثر الوقت، ألم يلمح التقرير الذي بث في الحلقة نفسها وفيه مشاهد عدة لمهرجان الحزب في غزة والذي عقد قبل أشهر قليلة؟
 
في السابق وقبل أن تبدأ عمليات القمع من السلطة في الضفة بشكل واضح تجاه الحزب كانوا يتحدثون عن الحزب في الضفة على أنّه غائب أو شبه غائب، ولم نسمع ذكراً للحزب إلا بعد أن رأى أهل فلسطين عشرات الآلاف من جنود السلطة قد نزلوا إلى الشوارع لقمع مسيرات ونشاطات الحزب الضخمة، وبعدها اضطر الصيفي للاعتراف بأنهم قد أعاقوا عشرات النشاطات.
وهنا نتساءل: هل لا بد أن تسيل الدماء على أيدي الأجهزة الأمنية حتى يروا حقيقة حجم الحزب محلياً وعالمياً؟ ألا تكفي عمليات الاعتقال التي تمت في غزة؟ أم يلزم أن يسقط الشهداء والجرحى كما حصل في الضفة؟
 
أخطاء سببها الكسل وأمور أخرى
تنسب أحياناً للحزب أمور تخالف طريقته وتخالف فكره، ثم تتناقلها الأقلام، قلم كسول ينقلها عن قلم مخطئ أو خاطئ، ولا يعني نفسه بتحري الصواب، علماً أن محاكمة عقلية بسيطة توجب على الباحث أن يتشكك فيما ينقل، وتوجب عليه أن يرجع ليستقي من النبع نفسه، لا من الآنية التي يشوب ماءها عكر وأشياء.
 
ومن أمثلة ذلك ما ورد في البرنامج من افتئات على الحزب بأنه تعهد بأنه سيقيم الدولة في مدة أقصاها ثلاثين سنة. وهذا من أخطر أنواع التصريحات التي يمكن لمسلم أن يقدم عليها، حيث إنها تنفي قضاء الله وقدره وتوفيقه، وتدعي ضمان الغيب ولا ضامن إلا الله.
ونضع بين أيدي المهتمين المخلصين النص الذي حرّفه المرددون لهذه الأقوال كي يدركوا أن الحزب إنما يُفترى عليه لسبب يعلمه الله، والراسخون في العلم. وننوه قبل ذلك بأن النص المقصود ورد في كتاب التفكير، وهذا الكتاب، هو من إصدارات الحزب، ولكنه ليس كتاباً متبنى، وتتميز الكتب المتبناة بأنه يكتب عليها عبارة (من منشورات حزب التحرير). أما النص المقصود فقد جاء في سياق بحث الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى في موضوعات التفكير وأصنافه، ومنها التفكير في الغايات، حيث ذكر أن الغاية التي توضع للناس يجب أن تكون مما يمكن تحقيقه على يد الساعين إليها، وذكر أن التحول في الأمة يحتاج إلى جيل على الأقل ولكنه لا يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أجيال، إذا كانت الأمة خاضعة لعدوها. وهذا هو النص من كتاب التفكير:
       ((والجواب على ذلك أن عمر الأمم لا يقاس بالأجيال. ولا بمئات السنين كما يتوهم، بل هو يقاس بالعقود فالعقد الواحد من الزمن تتحول فيه الأمة وتنتقل من حال إلى حال، والفكرة العملية يمكن أن تعطى للأمة وتعلق بها في جيل واحد مهما وجدت من مقاومة على شرط جدية التفكير وجدية العمل. ولذلك لا تحتاج الأمة إلى أجيال ولا إلى مئات السنين، بل تحتاج كل فكرة وكل عمل لأن يثمر في الأمة إلى ما لا يقل عن عقد، فإن في العقد الواحد يجري تحويل الأمة، وإذا كانت خاضعة لعدوها فإنها تحتاج إلى أكثر من عقد، ولكنها لا تحتاج لأكثر من ثلاثة عقود مع المقاومة. ولذلك لا بد أن تثمر الحركة أو العمل أو الفكرة في الأمة على يد الناس الذين يسعون إلى تحقيق هذه الفكرة أو هذا العمل لا على يد الأجيال التي تأتي بعدهم. فالغاية يجب أن تكون من النوع الذي يحققه الساعون إليها، هذا شرط التفكير في الغاية ولا تكون غاية إذا كان الساعون إليها لا يحققونها بأنفسهم)).
 
وكما هو واضح فإن النص المذكور في بحث في موضوع التفكير في الغايات، وهو بمثابة تقعيد فكري للعمل في الأمم، والغايات التي يضعها العاملون لأنفسهم، وليس نصاً يتعلق بحزب التحرير ولا بإقامة الخلافة.
 
ضيف غائب ومرجعية خلافية
للأسف الشديد، ظلّ الإسلام بوصفه مبدأ هو الغائب الأكبر عن مضمون الحوار في البرنامج، فلم تُطرح وجهة نظر الإسلام أبدًا في الحوار، وكان الحديث عن حرية التعبير وحرية الرأي والديمقراطية بشكل عام وكأنها مطلب المسلمين دونما خلاف. وغياب هذا الضيف هو من أربك المتحاورين وهم يبحثون عن مرجعية بديلة عن الأصيل.
 فقادتهم شراع سفنهم وسط الأمواج المتلاطمة إلى الدستور ليكون مرجعاً ومقياساً لما يصح ولما لا يصح، للصواب والخطأ، للعدل والظلم، مع أنّ التلعثم كان واضحا في تبرير قدسية الدستور خاصة وأن المتحدثين يدركون أن الدستور كالرمال المتحركة، يُقتبس من فرنسا تارة أو من بريطانيا تارة أخرى أو من المجلس التشريعي الذي حرقت جدرانه وأغلقت أبوابه، تارة أخرى، فبات لا يعترف به أحد ومحظور عليه الانعقاد. ولم يجرؤ رجل القانون أن يقول بأنّ الدستور قد بات فرمانات ومراسيم يصدرها رئيس السلطة، وأن باعثها الأساسي أصبح الصراع بين جناحي السلطة.
 
27/10/2009