تعليق صحفي

التدجين السياسي رسخ المعركة القانونية مع الاحتلال وحذف العسكرية

بين الحين والآخر، تطلق القيادات الفلسطينية الرسمية تصريحات تتعلق بالملاحقة القانونية لجرائم دولة الاحتلال اليهودي، منها ما نشر أمس حول دعوة كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، المجتمع الدولي لمساءلة "الحكومة الإسرائيلية"، والتوقف عن التعامل مع "إسرائيل" كدولة فوق القانون، وذلك خلال لقاءاته مع القنصل الأمريكي العام، ومع القنصل الفرنسي العام، ومع ممثل اليابان لدى السلطة الفلسطينية.

لا شك أن صورة دولة الاحتلال اليهودي تزداد اتساخا يوما بعد يوم، وهي تصرّ على تحدي مشاعر العالم في ارتكاب الجرائم دون حساب لدولة رادعة ولا لعرف دولي يحاسب، أو قانون دولي يُطبق عليها.  وهذا وضع سياسي معنوي يمهّد العالم لتقبّل محو تلك لدولة المارقة عن الوجود عندما تستعيد الأمة زمامها بعد هذه الثورات المبشرة بانتهاء عهد الاستخذاء.

ولكن اللافت هنا أيضا أن "القيادات الوطنية" التي سرقت قضية فلسطين من حضن الأمة ورمتها في أحضان الغرب، قد استسلمت تماما لعلمية "التدجين" السياسي، وارتمت هي على عتبات السفارات الغربية، وتأقلمت مع قوانين اللعبة الدولية ومع حدود الملعب التي حددتها لها تلك القوى المهيمنة على الساحة الدولية، وقبلت أن تعيش بقفص الدواجن كما وصفه أحد قادتها  –عثمان أبو غريبة- قبل عامين، ولذلك فإن تلك القيادات لا تفقه لغة أمجاد الأمة من مثل ما أرسله خليفة المسلمين لملك الروم: "الجواب ما ترى لا ما تسمع".

ولغة الانبطاح تلك مشتركة لدى أشباه الحكام في السلطة الفلسطينية، وكذلك لدى الحكام من أمثال أردوغان-تركيا الذي تناسى أمجاد العثمانيين واستخذى أمام الهجوم الوحشي لجيش الاحتلال على سفن الإغاثة، ورضخ أمام مقتل عدد من رعيته قبل أكثر من عام، ومن ثم حوّل أردوغان القضية إلى المحافل القانونية، وحصر الحلّ في طلب الاعتذار السخيف من دولة الإجرام اليهودي، وهو مشهد كرره المجلس العسكري في مصر عندما قتلت عصابات الاحتلال عددا من الجنود المصريين قبل أشهر.

ولكن الشعوب ظلّت ترفض كل محاولات ترويضها –من قبل المدجَّنين- على مفاهيم الانبطاح والارتماء في أحضان الغرب، وهي ترفض هذه اللغة وتتمرد على متحدثيها، مما دفع ألوف المخلصين في مصر لاقتحام سفارة الدولة اليهودية إثر مقتل الجنود، وكذلك تظاهر الأتراك ضد وحشية الكيان اليهودي، وظل أهل فلسطين رافضين لمنطق الاستجداء الذي تمارسه القيادات السلطوية حتى مع القمع المستمر لها.

وفي سياق التدجين السياسي ترتفع يوما بعد يوم أصوات "المقاومة السلمية" بدعوى إحراج دولة الاحتلال في المحافل الدولية، بل تنتقل هذه الشعارات من الفصائل العلمانية نحو الفصائل التي ترفع شعار الإسلام، كما طفا على السطح خلال الأيام الماضية بعد اللقاء الأخير لعباس ومشعل في القاهرة، مما ينذر بمرحلة متقدمة من التدجين السياسي، ومما يوضح فداحة تصريحات سابقة لبعض قيادات المقاومة عندما خاطبت دولة الاحتلال بالقول سنقتل صورتكم.

إن المعركة مع الاحتلال هي ذات مظهر واحد لا يتعدد، وهي في سياق واحد لا يتغير: إنها لحظة إخلاص في جيوش جراره تخلع هذا الاحتلال من جذوره، وهي ليست من أعمال الدبلوماسية السياسية ولا من أعمال المفاوضين، وقد أثبتت الوقائع –بعد المبادئ- أن أروقة التفاوض فاشلة، وليست مكان حل القضية، لأنه حل لا يتبلور في المحاكم الدولية الجائرة أو المحافل الدولية المنحازة لدولة الاحتلال، بل في ساحات الوغى التي تلقن هذا الاحتلال المارق معنى كرامة الأمة.

4-12-2011