تعليق صحفي
السلطة لا تملك زمام أمرها حتى تخرج بمبادرات ذاتية
 
في مبادرة جديدة لرئيس السلطة الفلسطينية، رحبت بها حركة حماس وسلطتها في غزة، أعلن عباس عن نيته التوجه إلى قطاع غزة وطرح أفكار جديدة من ضمنها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وتعيين حكومة شخصيات مستقلة لمدة ستة أشهر، وتشمل كذلك إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.
 
تأتي هذه المبادرة في ظل الفشل الذريع الذي مني به عباس وسلطته، وفي ظل وصول السلطة لنهاية الطريق المسدودة، وانكشاف حقيقة مواقفها و"كشف المستور" منها وافتضاحها على وسائل الإعلام، وفي ظل فشل الالتجاء المهين للإدارة الأمريكية والتعلق بحبالها عقب الفيتو الأخير ضد قرار إدانة الاستيطان، بل وفي ظل الحراك الشعبي العارم الذي يجتاح المنطقة ويطل برأسه على السلطة.
 
إن مبادرة عباس، التي حظيت بترحيب سلطة حماس، لا يمكن أن تكون بقرار ذاتي دون توجيه غربي استعماري ورضى من الكيان اليهودي. فالسلطة لا تملك من أمرها شيئاً، ولا تملك اتخاذ قرارات حاسمة على مستوى إنهاء الانقسام أو إعادة اللحمة لطرفي السلطة دون إرادة دولية، فهي التي نشأت تحت الاحتلال وباعت قرارها منذ أن نشأت لدول أسمتها بالمانحة وما هي سوى دول عدوة ماكرة، وإذا كان تحرك رئيس السلطة خارج رام الله إلى مدن مجاورة يحتاج لإذن من الجيش اليهودي فيمكن لكل عاقل أن يدرك أن مجرد زيارته لغزة لا بد له من "تصريح" من الجيش اليهودي فكيف بإعادة لحمتها بالضفة!!!
 
إن هذه المبادرة، في ظل الانشغال الدولي بالتغيرات التي تجتاح المنطقة، وفي ظل انغماس الإدارة الأمريكية، صاحبة اليد الطولى على السلطة وقرارها وصاحبة التأثير في مسار المفاوضات ومخلفاتها، بملفات أكثر سخونة، لا يمكن فهمها سوى بمبادرة إعلامية وحملة إلهاء محلية تشغل أهل فلسطين عما يدور حولهم، وتطيل أمد الفراغ السياسي الحاصل وتخفي فشل السلطة الذي سربلها، ومحاولة لإنعاش السلطة ومنظمة التحرير "بصدمة كهربائية" بعد أن دخلتا طور الموت السريري.
 
لكن الواقع يبشر هؤلاء بفشل مساعيهم، فقد تقدم أهل فلسطين على قيادات السلطة بأشواط في النظرة لقضية فلسطين والقوى الاستعمارية، فما عاد أهل فلسطين يتطلعون لأمريكا ووعودها كما تتطلع السلطة، ولا عادوا ينتظرون سبتمبر كما ينتظره عباس، بل إنهم أصبحوا يرون المسلمين في كافة أرجاء المعمورة أقرب من أي وقت مضى إلى التحرك الحقيقي لتحرير فلسطين كاملة غير منقوصة.
 
إن مما لا شك فيه أن السلطة بسياساتها التابعة على كافة الصعد، وما خلفه تنافس المتنافسين فيها على كراسيها الذليلة من انقسام واقتتال، باتت عبئاً ثقيلاً على كاهل الناس يضاف لعبء الاحتلال، وأن الناس قد نفضوا أيديهم من كافة أطروحاتها ومن مبادرات ومناورات رجالاتها وقد خبرتهم طوال سنين عجاف، وأدركت أن مرد أمرهم هو خارج ديارهم وان قبلتهم، وإن حجوا واعتمروا، هي واشنطن ولندن وباريس وموسكو وكيان يهود علاوة على الأنظمة الدكتاتورية في بلاد المسلمين.
 
إن أهل فلسطين عاشوا الضنك بوجود هذه السلطة وكل ما تمخض عنها من تنازلات وتنسيق أمني وحماية لكيان يهود، بل واقتتال وعداء بين أهل فلسطين بعد أن كانت توحدهم كلمة الجهاد والمقاومة ضد يهود.
 
وإن أي قبول بمبادرات تكرس وضع السلطة وتقوي وجودها وتضفي إليها نوع من الشرعية الهزلية بإجراء انتخابات جديدة للسلطة أو المنظمة أو تعيين حكومة بلون أو دون لون لن يزيد أهل فلسطين إلا ضنكا فوق الضنك.
 
إن على المتخاصمين على سلطة هزيلة أن يدركوا حجم التغير في مسار الأمة، وأن يدركوا أن فلسطين ليست قضيتهم بل هم قد اختطفوها، ففلسطين قضية أمة ممتدة من طنجة حتى جاكرتا، وليعلم هؤلاء أن فلسطين في وجدان الأمة، وأن الأمة قد وضعت فلسطين على قائمة أولوياتها حال فراغها من الطواغيت والأنظمة التابعة، وأن التغيير الحقيقي بإقامة الخلافة في بلاد المسلمين بات قريباً وبشائر التحرير لمسرى رسول الله ووعد الله بدخول الأرض المقدسة قد أزفت، فليكف هؤلاء العابثين بمصير فلسطين عن عبثهم خير لهم.
 
(فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا)
17-3-2011