لا يخفي على كل متابع لمجريات الأحداث السياسية العالمية أن ملف الشرق الأوسط يبقى يطفو على السطح بين الفينة والأخرى، كما لا يخفى على كل متابع كذلك أن ملف الشرق الأوسط يبقى متنفساً للإدارة الأمريكية لتفرغ فيه مخزون فشلها في نقاط العالم الساخنة في محاولة منها لكسب بعض النقاط الإيجابية والظهور بمظهر الفاعل والمؤثر وصاحب الإنجازات الباهرة!!
بيد أن الإدارة الأمريكية الحالية لم يطل بها العهد حتى بان زيف خداعها وانكشف كذب ودجل الخطابات الرنانة التي ألقاها كبيرها أوباما، مما أدى إلى انكشاف عورتها حتى بانت سوءتها أمام العالمين، فلقد ظهر للعالم مدى الضعف الذي تغرق فيه الإدارة الأمريكية في ملف الشرق الأوسط، علاوة على الصفعات التي تتلقاها في العراق وأفغانستان مما يعيق نجاح مشروعها الإستعماري هناك، فالإدارة الأمريكية وبلسان حاد كانت قد طالبت كيان يهود بوقف كامل للإستيطان ثم سرعان ما قللت من حدة الخطاب والطلب فجعلته تجميداً للإستيطان ثم تراجعت فجعلته كبحاً ثم اسقطت مطلب وقف الإستيطان من قائمة المطالب الأمريكية مؤخراً، وفي ذلك إشارة واضحة أن أمريكا لا تعطي ملف الشرق الأوسط الأولوية والأهمية سوى ما يلزمها من تحقيق انجازات كاذبة موهومة.
وضمن هذا السياق عقدت وزيرة الخارجية الأمريكية اجتماعاً مع أدواتها ووكلائها في المنطقة أبو الغيط وسليمان ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة، كما أوفدت للمنطقة مبعوثها الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل، وفي محاولة منه للظهور بمظهر الجاد في إلزام يهود بالمفاوضات-وهو لا يعدو السير في سياسة المداعبة التي تنتهجها إدراته تجاه كيان يهود- لوح ميتشل بحجب ضمانات القروض عن كيان يهود فيما ضرب وزير الإقتصاد "الإسرائيلي" بهذا التهديد عرض الحائط، ولم يكتف كيان يهود بهذا الرد بل بدأ يتهدد ويتوعد بقصف غزة بصورة مكثفة ناهيك عن الغارات المتفرقة التي تودي بأرواح الشهداء بين الفينة والأخرى، وفي ذلك إشارة على تمرد الطفل المدلل "إسرائيل" على أمريكا وذلك لإدراكها مدى ضعف الإدارة الأمريكية لإحداث "خبطة" في الشرق الأوسط.
وفي ظل مداعبة أمريكا ليهود تحت مسمى الضغوط، ومع سياسة البطش والقتل والإستيطان وتهجير المقدسيين وهدم المنازل، يطغى على الساسة الفلسطينيين جدل سخيف حول اعتبار وقف الإستيطان شرطاً مسبقاً أم إلتزامات من كيان يهود بخارطة الطريق مع بقاء استجدائهم المفاوضات من الإدارة الأمريكية، وقد عبر عريقات عن رفض سلطته إستئناف المفاوضات بدون وقف الإستيطان متناسياً أنه وسلطته رهن الإدارة الأمريكية وأنهم لا يملكون من أمرهم من قطمير؟ فلم تغب عن الذاكرة بعد التصريحات "النارية" التي أطلقها عباس وعريقات قبيل اجتماع واشنطن الثلاثي (أوباما عباس نتنياهو) والتي جزما فيها برفض عباس لقاء نتياهو فلم يكن منهما سوى أن لعقا تصريحاتهما وانقادا طوعاً وكرهاً للإرادة الأمريكية.
وفي غضون ذلك تكرس الدول المجاورة وخاصة النظام المصري والأردني مواقف الخزي والعار بلعبها دور الوساطة لاستئناف المفاوضات وتقريب وجهات النظر، ولعل استقبال مبارك لنتياهو مؤخراً في القاهرة في الوقت الذي يبطش فيه نتياهو بأهل فلسطين فيقتل ويهجر خير مثال على مدى الإنحطاط السياسي والذلة والمهانة التي وصل إليها حكام المسلمين.
إن قضية فلسطين باتت الفاضحة والكاشفة لكل الحكام الخونة والأنظمة والمتآمرين على فلسطين بل وعلى الأمة الإسلامية بأسرها، ولقد بات تآمر الحكام وعمالتهم أمراً مفضوحاً لاخفاء فيه، فهل تبقى الأمة صامتة على تلك الأنظمة وهؤلاء الحكام وهم يوردونها موارد الهلاك؟! هل تبقى الأمة تشاهد السلطة ودول الطوق تضيع فلسطين شبراً بعد شبر وتبقى دون حراك؟! ألم يأن الأوان بأن تأخذ الأمة زمام المبادرة فتقتلع تلك الأنظمة وتقيم الخلافة الراشدة الثانية على أنقاضها؟! بدل أن تبقى رهن المخططات والمشاريع الغربية الاستعمارية؟! فتزحف جيوش الخلافة نحو بيت المقدس فتحررها وتستأصل شأفة يهود وتحرر كل شبر من بلاد المسلمين المحتلة وتنهي عبث الحكام المتآمرين بهذه القضية وببقية قضايا الأمة؟!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
10-1-2010