تعليق صحفي
الرأسمالية تزداد توحشاً وخطرها يهدد كافة الشعوب، ولا خلاص للعالم إلا بولادة نظام عالمي جديد


بحسب ما أوردت المنظمة غير الحكومية" أوكسفام" ازداد تركّز الثروات خلال العام 2018، إذ بات 26 مليارديرا في العالم يملكون أموالا تساوي ما يملكه النصف الأفقر من البشرية.
إن من نافلة القول أن ثروة العالم، في ظل النظام الرأسمالي الطبقي، باتت تتركز في السنوات القليلة الماضية على نحو متزايد في أيدي حفنة صغيرة غنية مؤلفة من كبار الرأسماليين الذين لا يشبعون ولا يعرف الشبع إليهم سبيلاً.
ولأن الرأسمالية لا تضع قيوداً ولا حدوداً أمام رغبات أربابها فقد عمد هؤلاء إلى إنتاج ثرواتهم ومضاعفتها عبر العمل في كافة القطاعات سيما التي تدر لهم أرباحاً آنية سريعة ومن أبرزها " تجارة الموت"؛
وتتلخص تجارة الموت في جني هؤلاء أرباحاً طائلة من وراء تدمير حياة عشرات الملايين من البشر وموتهم، سواء كان موتاً فورياً من خلال تجارة الأسلحة التي تفتك بالشعوب، أو موتاً بطيئاً من خلال تجارة المخدرات، أو موتاً معنوياً من خلال التجارة الجنسية والتي تصل في أكثر الأحيان إلى الموت الجسدي بمعناه الحقيقي.
 كما اقتحم ووسع أرباب الرأسمالية منذ العام 1971 استثماراتهم في القطاع المالي " الاقتصاد الوهمي" فأصبحت كل التقديرات تشير إلى أن 90% من الحركة اليومية للرأسمال تتمركز في القطاع المالي، وبالتالي فإن الاقتصاد الحقيقي لا يحظى إلا بنحو 10% من النشاط المالي.
وبسبب هذه الاحتكارات اللامحدودة للثروة في أيدي كبار الرأسماليين وحرمان باقي الشرائح من الانتفاع بها فإن الناتج الاقتصادي الفعلي في تعثر كبير، وأن القطاع المالي يسير في دائرة الأزمات المستمرة، وفي وضعية إدارة الأزمة دون التفكير في إمكانية حلها، لأن حلها يفترض شطب الطغم المالية ذاتها، وحرق تراكم مالي هائل بات عبئاً على الاقتصاد الحقيقي.
ولهذا فإن ضحايا الرأسمالية لن يكونوا هذه المرة سكان العالم الثالث فقط ولا دول أطراف الرأسمالية بل شعوب حواضر حصون الرأسمالية العتيدة!
 وستبقى هذه الأزمات مستمرة متصاعدة، مع انهيارات متتابعة بين الحين والآخر للدوائر والمؤسسات تلاحق هذه المنظومة حتى تأتي عليها من القواعد.
ولهذا فإنه ليس من قبيل الصدفة أن يقوم أصحاب السترات الصفراء من عمال وفقراء فرنسا بالدوس بأقدامهم على الفكر الرأسمالي المُتوحش في قلب باريس، بعد أن تبين لهم أن أساس هذا الفكر عنصري طبقي يخلق الأزمات والحروب ويزيد من أعداد أصحاب المليارات التي استنزفت جيوبهم بعد أن وفرت للرأسمالين المتنفذين رغد العيش ردحاَ من الزمن على حساب مص دماء شعوب العالم الثالث التي لم يبق فيها دماء أصلاً.
إن النظام الرأسمالي الذي يهيمن على العالم، وبعد محاولات بائسة لإصلاحه، بات يتجه إلى مزيد من التوحش، مما يولد هوة سحيقة بين قلة مسيطرة على ثروات العالم وأكثرية ساحقة غارقة بالفقر والجهل والتهميش.
فعالمنا اليوم بات أمام خيارين لا ثالث لهما، إما فوضى وحروب أهلية تفتك بالحجر والشجر والبشر، وإما مخاض وولادة نظام عالمي جديد ينقذ البشرية من الشقاء والفناء.
إننا على ثقة بأن النظام الاقتصادي الإسلامي الذي ستطبقه دولة الخلافة بعد قيامها عما قريب بإذن الله هو النظام الوحيد القادر والمؤهل للعب هذا الدور العالمي، وسيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأته الرأسمالية ظلماَ وجوراً، وشواهد التاريخ خير دليل.


(وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا)


2019-01-22