تعليق صحفي

خطاب رئيس السلطة جمع بين العجز والفجور

كعادة خطابات رئيس السلطة والذي اعتاد أن يبطل القنابل السياسية بدلا من تفجيرها، كما كان يعد قبل سنوات، جاء خطابه جامعا بين العجز أمام العالم ولغة الاستجداء والاعتراف بالفشل بعد أن ربط قضية فلسطين وأهلها بالشرعية الدولية التي ما أنصفت مظلوما في يوم من الأيام، وما بين الفجور في التعامل مع أهل فلسطين.

فقد استعرض عباس الخدمات والدور الوظيفي للسلطة في تصفية قضية فلسطين، واحترام الاتفاقيات التي تحمي كيان يهود وتعطيه الشرعية، ثم تباكى على خذلان أمريكا وكيان يهود له، وتنصلهم من الوعود التي كان ينتظرها، وكأن اليهود قوم يحترمون العهود والمواثيق! أو كأن أمريكا كانت منصفة لأهل فلسطين أو غيرهم!

واستمر هذا التباكي في خطاب عباس باستعراض الاجرام الذي يرتكبه كيان يهود، وقوانينه التي خطها، وآخرها قانون القومية العنصرية، مطالبا العالم بانصافه.

وهذا العالم الذي يريد رئيس السلطة الارتكاز عليه، هو من يعطي الشرعية والحماية لكيان يهود؛

فأوروبا التي يعول عليها رئيس السلطة والتي من أجل نوال دعمها زار عددا من قادتها وسياسييها، هي ذاتها التي لم تعترض على قانون القومية الأخير، فقد رفضت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي موغريني مناقشة هذا القانون مع أهل فلسطين داخل الخط الأخضر وكتلتهم "القائمة العربية المشتركة"، عندما التقوا بها قبل أسابيع، ما يدل على أن أوروبا موافقة ضمنيا على ذلك القانون، ولو أدى لحشر أهل فلسطين وخصوصا داخل الخط الأخضر في كانتون وجيتو يعيشون فيه.

وزيادة في اظهار العجز فقد أكد عباس على ما قام به من اجراءات لتعزيز شرعيته المبتورة والشكلية، من انتخابات واجتماعات لمنظمة التحرير ومؤسساتها، وهو بذلك يعترف بعقدة النقص في مسألة ادعاء تمثيل أهل فلسطين، وازاء ما تراهن عليه سلطة حماس في غزة وهي تنازعه ذلك التمثيل والذي سيؤول الى مثل ما تقوم به السلطة.

فرئيس السلطة حتى بالمقياس الوطني المنفرط، لم يتخذ الهجوم وسيلة للدفاع، رغم أنه يعد من سنوات بوقف التنسيق الأمني وبوقف الاتفاقيات مع كيان يهود وباعلان دولة تحت الاحتلال.

وحتى لو أعلن عن ذلك وظهر بمظهر البطولة فإن تلك البطولة المزعومة ليست بطولة بل هي خيانة واصرار على الخيانة، بتقديم معظم أرض فلسطين لكيان يهود.

أما فجوره فقد كان ضد شعبه الذي يدعي تمثيله، فتهديده باتخاذ اجراءات جديدة بحق قطاع غزة في حال رفضت حماس المصالحة وفق فهمه هو للمصالحة، هو فجور تجاه أهل فلسطين، مقابل العجز والتسول أمام العالم.

ورغم أنه ليس من الكياسة في ظل عجز هذا الرئيس للسلطة، اثارة المشاكل الداخلية أمام العالم، الا أن عباس بحديثه عن خلافاته مع حماس، إنما يعطي الشرعية لمزيد من اجرام كيان يهود تجاه أهل غزة. وكان الواجب عليه -لو كان يعقل- أن يهاجم الأنظمة العميلة التي انغمست في صفقة القرن، والتي تخاذلت عن نصرة فلسطين، ولكن كيف يهاجمها وهي تحمي كيان يهود مثلما يحميه هو وسلطته؟!

إن ما يعيشه أهل فلسطين من ضنك وما وصلت له قضية فلسطين من تردي، إنما تتحمله منظمة التحرير وأزلامها، رجالات أوسلو التي أضاعت فلسطين، والحكام العملاء الذين تآمروا على فلسطين وقضيتها وقدموها قرابين على أعتاب البيت الأبيض.

إن أكبر خدمة لكيان يهود، هو وجود هذه السلطة التي تسهر على حمايته، فهي رغم كل الضجيج الذي يحدثونه إلا أن وجود السلطة مجرد وجود في ظل اجرام كيان يهود، إنما هو أكبر بصمة شرعية على ما يقوم به هذا الكيان المجرم بحق الأرض والانسان وزيادة الاستيطان والأسر والتضييق والحصار.

إن قضية فلسطين أكبر من أن تختزل في هذه المنظمة ووليدتها السلطة ورجالاتها، فأرض فلسطين هي الأرض المباركة وهي مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي أرض الأنبياء، وإن الأمة الاسلامية ستخلع كيان يهود وستحاسب كل من تواطأ معه واعترف بشرعيته وسهر على حماية أمنه، وإن غدا لناظره قريب.

28/9/2018