بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال

آخر المستجدات السياسية على الساحة السورية

 

السؤال:

نشر أن أمريكا وتركيا وقعتا اتفاقاً لتدريب ما يسمى العناصر المعتدلة... فهل يعني ذلك أن أمريكا أوشكت أن تجد البديل لبشار، فأصبحت تحضِّر له قوة مناسبة على الأرض تدعمه بالإضافة إلى الدعم الجوي؟ أم هي مجرد تقطيع للوقت بالتدريب سنة وسنتين... إلى أن تفرغ أمريكا من إيجاد البديل؟ وبعبارة أخرى هل يعني ذلك أن البديل قريب فيحضِّروا له دعماً، أم أن البديل بعيد فيقطعوا الوقت في التدريب إلى أن يعدّوا البديل؟ وجزاك الله خيراً.

 

الجواب:

حتى يتضح الجواب نستعرض الموقف الأمريكي والتحركات التي تقوم بها مع دول المنطقة:

 

1- قال أوباما في كلمة الاتحاد "إن دعم الولايات المتحدة للمعارضة الوسطية في سوريا لا يساهم فقط في المجهود هناك، إنما هو أيضا يمكن أن يساعد الناس في كل مكان على التصدي لعقيدة التطرف. وهذا المجهود سيتطلب وقتا وتركيزا" وقال "عوضا عن إيفاد أعداد كبيرة من القوات البرية إلى الخارج تعمد الولايات المتحدة الآن إلى العمل بالتضافر مع دول تمتد من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لحرمان الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة من الملاذات الآمنة". (آي آي ديخيتال الأمريكية 20/1/2015)

 

يتضح من هذه التصريحات أن أمريكا لا تريد أن تخوض التجربة السابقة بإرسال قوات كبيرة إلى المنطقة، وإنما تريد أن تسخر دول المنطقة وتشكل قوى من أهل المنطقة تسمى القوى المعتدلة أو الوسطية وهي تدعمها وتسيّرها لتحقيق الأهداف الأمريكية. وقد وضع الرئيس الأمريكي ذلك كخط سياسي تسير عليه بلاده في السياسة الخارجية. ولهذا لا تريد أمريكا أن ترسل قوات برية كبيرة في حربها في المنطقة لمنع عودة الإسلام إلى الحكم وللمحافظة على نفوذها فيها ونهب خيراتها، ولكن تريد أن تسخر المسلمين أنفسهم في حربها تلك، فترسل قوات برية محدودة للقيام بمهمات معينة إسنادية أو للتدريب ولقيادة المعارك وتشارك من الجو بالطيران.

 

2- إن أمريكا قد قررت تدريب ما تسميه المعارضة المعتدلة، أي التابعة لها منذ صيف العام الماضي، وأعلنت ذلك رسميا في خريف العام الماضي. فقد صادق الرئيس الأمريكي أوباما في 13/6/2014 على إجراء سري لتسليح هذه المعارضة ينفذ عبر وكالة الاستخبارات الأمريكية، وأعلن ذلك في 20/9/2014 بقوله: "إن واشنطن قد باشرت فعلا بتقديم المساعدة بما فيها العسكرية للمعارضة السورية غير أن الجهود الجديدة تؤمن المعدات وتدريب مقاتلي المعارضة السورية لكي يصبحوا أقوى ويستطيعوا ردع الإرهابيين داخل سوريا" (وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية 20/9/2014). وكان "مجلس الكونغرس قد صادق في 18/9/2014 على خطة الرئيس أوباما تلك". وقد صرح الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية أنه "في حال طلبت القيادة الميدانية مني أو من وزير الدفاع إرسال قوات خاصة لمؤازرة العراقيين أو القوات السورية الجديدة، وفي حال وجدنا أن هذا الأمر ضروري لتحقيق أهدافنا، عندها سيكون هذا ما سنطلبه من الرئيس باراك أوباما" (سكاي نيوز 5/3/2015).

 

إن أمريكا سابقا كانت تعمل على معالجة الوضع بالمفاوضات مثل جنيف 1 و 2 من دون اللجوء إلى تشكيل مثل هذه القوة، فأوجدت الائتلاف ليكون ممثلا لطرف الثائرين، ولكن لم يُقبل هذا الائتلاف من جمهور الناس في سوريا ولم تكن له قوة على الأرض، ففشلت في ذلك. فرأت أن توجد قوة تابعة لها لتقوي من موقف المفاوضين الذين ستبرزهم كأنهم ممثلون للثورة، فقبلت بفكرة إيجاد قوات سورية معتدلة تدربها على يدها لتحقيق ذلك ولتحارب بها الثوار الرافضين لمشاريعها، وليس لمحاربة النظام. فالنظام السوري ومن يدور حوله ومن لف لفيفه هم عملاء لها، ولكن أهل سوريا والثوار الذين انتفضوا ضد هذا النظام ليسوا معها، بل هم ضدها، ولهذا تريد أمريكا أن توجد لها قوى وعملاء من غير الموجودين في النظام وحوله حتى تجعلهم قوة على الأرض ليدخلوا في مفاوضات جديدة. فلا تستطيع أن تبعد عملاءها الموجودين في النظام حتى تتيقن أن غيرهم أصبح بديلا قادراً على تسيير الأمور وعلى إخماد الثورة.

 

3- وقد توصلت أمريكا مع النظام التركي الموالي لها إلى اتفاق بهذا الخصوص. فقد صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي قائلة: "بإمكاني تأكيد أننا توصلنا لاتفاق من حيث المبدأ مع تركيا لتدريب جماعات المعارضة السورية وتزويدها". وأضافت "كما أعلنا هنا من قبل، وافقت تركيا أن تكون واحدة من الدول المضيفة بالمنطقة لبرنامج تدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة وتزويدها بالعتاد. نتوقع إبرام الاتفاق وتوقيعه مع تركيا قريبا" (سكاي نيوز 17/2/2015)، وجاء الاتفاق بعد محادثات وفد عسكري أمريكي مكون من 30 ضابطا زار أنقرة قبل ذلك بأيام وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها سترسل أكثر من 400 عسكري لتدريب المعارضين في معسكرات بالسعودية وتركيا وقطر. لقد صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع جون كيربي قائلا: "لدينا فريق يعمل مع السعوديين في محاولة إعداد المنشآت المخصصة لبرنامج التدريب والتسليح وتحديد ما هي الموارد التي نحتاج إلى إضافتها والمتعلقة بإعداد المدربين وما شابه". وكان رئيس الأركان مارتن ديمبسي قد ذكر أن "مرحلة الإعداد لهذا البرنامج قد تستغرق ما بين 3 إلى 5 أشهر و 8 إلى 12 شهرا لتدريب 5000 مقاتل من المعارضة السورية المعتدلة ليتمكنوا من مقاتلة تنظيم الدولة ونظام بشار أسد فيما بعد". (الأناضول 16/10/2014) وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية ماري هارفي في 10/10/2014: "وافقت تركيا على دعم جهود تدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة" (رويترز 10/10/2014)، فدول المنطقة سواء السعودية أو تركيا أو غيرهما يقلقهم الوضع في سوريا إلى أبعد الحدود، فتريد دول المنطقة كلها أن ينتهي هذا الوضع في سوريا، لأنه يؤثر فيها، ولذلك هي تتعاون مع أمريكا، وتؤيد فكرة إيجاد قوة معارضة معتدلة، وفي الوقت نفسه تعمل على احتواء الثوار بأشكال مختلفة، وكل ذلك لضرب جميع المخلصين في الثورة وإجهاض أي مشروع إسلامي.

 

4- ومن ثم جاء التوقيع الرسمي بين أمريكا وتركيا الشهر الماضي، فقال مسؤول بالخارجية الأمريكية لوكالة فرانس برس يوم التوقيع في 19/2/2015: "يمكنني أن أؤكد لكم أنه تم التوقيع على الاتفاق هذا المساء في أنقرة" وكان الموقعون هم مساعد وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو والسفير الأمريكي في أنقرة جون باس. ونقلت وكالة الأناضول في 19/2/2015 عن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قوله: "إن الطرفين وقعا على الوثيقة التي اتفقا عليها وأن عناصر المعارضة المدربين سيواجهون قوات النظام السوري وتنظيم داعش الإرهابي وكافة التنظيمات الإرهابية في سوريا". وقال "سنرحب بوقف لإطلاق النار حتى لو لمجرد ستة أسابيع". ونقلت صفحة أخبار تركيا في 20/2/2015 عن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قوله: "إن الاتفاقية تهدف لتحقيق تحول سياسي حقيقي على أساس بيان جنيف بشأن سوريا ولتقوية المعارضة السورية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب والتطرف ومواجهة جميع العناصر التي تشكل خطرا على المعارضة السورية" ولفت وزير الخارجية التركية إلى "... إعلان قطر والسعودية اعتزامهما استضافة برامج تدريب وتجهيز للمعارضة السورية على أراضيها". ونقلت رويترز في 19/2/2015 عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين تحدثوا إليها وطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم قولهم "إن التدريب ربما يبدأ في منتصف آذار/ مارس المقبل وأنهم سيدربون 5000 مقاتل سوري كل عام على مدى ثلاث سنوات بموجب خطة دعم المعارضة السورية المعتدلة". وهكذا فإن وزير الخارجية التركي يعلن بصراحة أن الهدف من تدريب هذه القوات التي تسمى بالمعارضة المعتدلة هو لتحقيق تحول سياسي على أساس جنيف وضرب العناصر التي ترفض ذلك التحول السياسي وتريد شيئا آخر.

 

5- فالبديل لا يأتي إلا بعد ضرب القوى المخالفة للمشاريع الأمريكية والتي لها الثقل على الأرض وإحلال قوى عميلة تسمى معارضة معتدلة، وهذا البرنامج وضع له ثلاث سنوات حتى يتم تحقيقه، فيكون البديل جاهزا. وعليه فإنه يتبين أن البديل حاليا غير جاهز، والمفاوضات بفاعلية ليست واردة الآن، والأرجح أنها تكون بعد ضرب القوى التي تسمى متطرفة أو جعلها غير فاعلة على الأرض ومن ثم يزول تأثيرها، وهذه قد وضعوا لها حسب تقديراتهم ثلاث سنوات،كل سنة 5 آلاف... وقد جاءت زيارة أردوغان للسعودية في بداية هذا الشهر في هذا السياق. فقد ذكرت الأنباء أن موضوع سوريا كان محل بحث بينهما، والظاهر هو للتنسيق فيما يتعلق بالعمل على تقوية المعارضة المعتدلة ودعم البديل القادم الذي سترشحه أمريكا. ونقلت صفحة أخبار تركيا في 2/3/2015 عن مصادر تابعة للرئاسة التركية "أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الاثنين (2/3/2015) في القصر الملكي بالعاصمة، وأنهما اتفقا على ضرورة زيادة الدعم المقدم للمعارضة السورية بشكل يفضي إلى نتيجة ملموسة". أي تريد هاتان الدولتان، سعودية سلمان وتركيا أردوغان، المواليتان لأمريكا، إنجاح فكرة المعارضة المعتدلة، فيظهر أنهما ستنسقان مع بعضهما بكل ما أوتيتا من إمكانيات للتوصل إلى نتيجة ملموسة، وليس كما حصل مع الائتلاف حيث لم يحقق نتائج ملموسة، فأصبح الرهان الآن على إيجاد هذه القوة، لأنهما مع أمريكا قد رأوا أنه من دون إيجاد قوة تسيطر على الأرض وتدّعي أنها تمثل الثوار فلن يتوصلوا إلى نتائج ملموسة وسيفشلون، ومن ثم يأتي موضوع طرح البديل وتجري المفاوضات والمؤتمرات على غرار جنيف.

 

6- ومن وسائل أمريكا لإنهاء مفعول الثوار المسيطرين على الأرض حاليا هو إيقاف القتال لإعطاء فرصة لتدريب القوات التي اختارتها لتكون قادرة على هزيمة القوى غير المعتدلة "المتطرفة" وأن تحل محلها، وفي الوقت نفسه فإن وقف القتال ضد النظام سيؤدي إلى الاقتتال بين الفصائل نفسها ما يضعفها فيساهم في تلك الهزيمة، ولذلك كان لا بد وفق الخطة الأمريكية من وقف القتال تحت مسمى تجميد القتال حتى تتمكن من إحلال القوات المعتدلة التي دربتها ومن ثم البدء بالمفاوضات بين النظام وبين المعارضة المعتدلة، وهي تقول ذلك على لسان مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا وهو مبعوثها في الأساس وحامل مشروعها. فقد قال دي ميستورا بعدما زار دمشق لمدة يومين "إن الرئيس الأسد جزء من الحل، وسأواصل مناقشات مهمة معه. هو ما زال رئيسا لسوريا.. هناك حكومة سورية أيضا وجزء كبير من سوريا ما زال تحت سيطرتها". وقال "الحل الوحيد هو حل سياسي وأن الجهة المستفيدة من الوضع في غياب اتفاق هو تنظيم الدولة الإسلامية" (أ ف ب 13/2/2015)، فأمريكا على لسان دي ميستورا تعترف ببشار رئيسا وتريد أن تجري معه المفاوضات وتجعل الحل سياسيا، ولذلك تريد أن توقف القتال ضد عميلها بشار. وهذا يدل على أن أمريكا بعدما تجري المفاوضات في ظل تلك القوى التي تدربها ستبت في مصير بشار وليس الآن، فلا تريد أن تسقطه قبل أن تتمكن من أن توقف القتال وتجعل القوى المعتدلة التابعة لها مسيطرة على الأرض، ومن ثم تطرح البديل وتبدأ المفاوضات من جديد بين طرف النظام وطرف المعارضة المعتدلة.

 

7- والخلاصة أننا لا نستطيع أن نقول أن البديل أصبح جاهزا وأن أيام بشار معدودة، بل يظهر أنه سيبقى في هذه المرحلة حتى تبدأ المفاوضات من جديد ويتم الاتفاق على صياغة الوضع، فالقوات المعتدلة التي تعمل على إعدادها لن تكون جاهزة خلال فترة قصيرة، بل ستمتد على الأقل لسنة، أي بعد انتهاء المرحلة الأولى بتدريب 5 آلاف... وتعمل على وقف القتال حتى تكون هذه القوات جاهزة للتواجد على الأرض في الداخل ويبدأ عملها بالاشتغال بالحركات التي تعتبر متطرفة وبعد ذلك تستأنف المفاوضات بين عملائها في النظام وفي المعارضة المعتدلة، ومن ثم يبدأ طرح البديل وتشكيل حكومة من الطرفين وتجري الترتيبات لذلك.

 

هذا وفق ما تخطط له أمريكا وأتباعها وأحلافها، وهذا ما يكيدون له ويمكرون... ولكن لله رجالاً يصلون ليلهم بنهارهم، مخلصين لله سبحانه، صادقين مع رسول الله ،يجدون ويجتهدون لتحقيق وعد الله سبحانه، وبشرى رسوله ﷺبإقامة الخلافة الراشدة بعد هذا الملك الجبري الذي فيه نعيش... وعندها سيصبح مكر أولئك وكيدهم هباءً منثوراً ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾.

 

22 من جمادى الأولى 1436

الموافق 2015/03/13م

للمزيد من التفاصيل