بسم الله الرحمن الرحيم
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
 
 إنّ الأزمة التي بدأت شرارتها يوم 17-12-2010 في مدينة سيدي بوزيد مركز إحدى الولايات المُضَيَّعة في وسط البلاد وامتدّ لهيبها ليشمل باقي مدن الولاية، ثمّ تتالت صيحات الاحتجاج من أهمّ المدن التّونسيّة، ومن قبلها أحداث الحوض المنجمي في 2008 وأحداث بن قردان 2010، تكشف إهمال النّظام رعاية شؤون الناس الرّعاية الكريمة التي يُوجبها الإسلام بالعدل والإحسان.
 
ولقد شهدنا ولا زلنا نشهد ظلم النّظام المتسلّط على رقاب النّاس بالقمع والبطش والوعود الكاذبة. وبعد اثني عشر يوما أطلّ رأس النّظام، يمُنّ على النّاس أن قضى لهم بعض حاجات، فلم يزد على أن يعدهم بالعيش الكريم ويمنّيهم بالرخاء القادم -غير القادم- بإجراءات طبّقها طيلة ثلاثة وعشرين عاما ولم تُجد نفعا.
 
ثمّ توعّد كل من تسوّل له نفسه الاحتجاج أو المحاسبة. وكان قد أطلق أبواقه من الإعلام النّاعق تسبّح بحمد "إنجازاته الرّشيدة" وتلعن كلّ من اعترض أو حاسب "وليّ النّعم".
 
إنّ هذا النّظام قد وضع الإسلام وراء ظهره وارتمى في أحضان الغرب الكافر المستعمر ورضي بإملاءاته واتخذ وصفاته نهجاً لا يحيد عنه مدّعيا أنّها خياراته المُثلى التي ستقفز بنا إلى مصافّ الدّول المتقدّمة، متباهيا أنّ تونس قد شهدت لها المنظّمات الدّولية والدّول الأوروبية. وقد فاته أنّ تلك المنظّمات والدّول لم تكن تمدح إلا نظامها وما سطّرته لبلدنا خدمة لمصالح شركاتها الّتي ما جاءت إلى بلادنا وسائر بلاد المسلمين إلاّ لتستغلّ ثرواتنا وتستنزف طاقات أبنائنا الذين هيّأهم هذا النّظام المجرم بنظام تعليميّ فاسد فاشل اشترطه صندوق النّقد الدّوليّ بقرض أثقل كاهلنا.
 
أيّها المسلمون:
 
إنّه لم يعُد خافيا على ذي عينين أنّ النّظام الرّأسماليّ الظالم العفن من طبيعته توليد الأزمات الحادّة وإيجاد الفقر بتكديس الثروة في أيدي فئة قليلة من المتنفّذين. ولقد صار من البَدَهيّ أنّ البنك العالميّ ووصفاته ووفوده التي لا تكاد تُفارق بلادنا، وأنّ اشتراطات الاتحاد الأوروبي وإملاءاته هي مصدر الأزمات والخراب أينما حلّت، وأنّها هي مجلبة النّقمة على البلاد والعباد أينما توجّهت.
 
إنّ البطالة وضيق العيش وسوء الرعاية وفساد القائمين على النّظام وتكميم الأفواه وقطع الأرزاق والتسلّط على رقاب النّاس والرّشوة والمحسوبية والانتهازيّة وغيرها، ما هي إلّا مظاهر لمرض خبيث واحد ووجوه بشعة لشيطان رجيم كامن، حذق التلوّن والتشكّل. وما حلّ ببلادنا وأهلنا وشبابنا (منذ أن استعمرنا الفرنسيّ إلى الآن)، لم يكن إلاّ الثمرة الخبيثة لتطبيق المبدأ الرّأسماليّ الخاطئ الفاسد المناقض لعقيدة الإسلام وصدق الله العظيم حيث يقول: [ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى]. فلا يغُرّنّكم فتات الحلول الترقيعيّة المعروضة عليكم، فما هي إلا مسكّنات وأُلهيات؛ فإن هي أفلحت، فغايتها أن تُخفّف بعض ألمكم لبعض الوقت ثمّ لا تلبث أن تعود الأزمات سيرتها الأولى.
 
أيّها المسلمون:
 
إنّ لكم ربّا لطيفا خبيرا يعلمُ ما يُصلح شأنكم [ ألا يعلمُ منْ خلق وهو اللّطيف الخبير].
 
إنّ لكم ربّا رحيما لم يترككم هملا ولا ضياعا؛ فأنزل على نبيّكم محمّد صلّى الله عليه وسلّم رحمة وهدى نظاماً من عنده تتّبعونه فلا تضلّون ولا تشقون، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: [ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ].
 
إنّه الإسلام العظيم بأحكامه الشّرعيّة العادلة المنبثقة من عقيدته الصافية النّقيّة، وحده الضامن للحاجات الأساسيّة للأفراد والجماعة، وهو وحده الضامن للقضاء على الفقر والبطالة والفساد، بدولة تُطبّقه يكون الحاكم فيها راعيا حقيقيّا لشؤون النّاس لا يشغله عن رعايتها شاغل، فلا يشبعُ وأبناء المسلمين جوعى، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطّاب حين أقسم عام الرّمادة ألاّ يذوق الطّعام حتّى يشبع صغار المسلمين.
 
ولا يهنأ وأبناء المسلمين يصرخون من ظلم الولاة والمسؤولين وجورهم، ولا ينام في قصره وأبناء المسلمين يرمي بعضهم بنفسه في البحر هربا، ويُضرمُ بعضهم في نفسه النّار قهرا، ويُضربُ الباقون بأيدي زبانيته أو يُقتلون.
 
إنّ الحلّ في دولة الإسلام العظيم حيث لا حصانة لرئيس ولا مرؤوس، يحاسب فيها خليفةُ المسلمين ويحاكم أمام مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ، هو أو أيٌّ من ولاته أو معاونيه، إن هم ظلموا أو خالفوا الأحكام الشرعيّة أو قصّروا في الاهتمام بأمور النّاس، دولة يكون فيها حكم الله فوق الجميع.
 
قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}
 
إنّنا في حزب التّحرير ندعوكم ونناديكم أنّه آن أوان الجدّ لنقوم لله قومة نعبده لا نُشرك به شيئا ولا نُطيع سواه ولا نتبع إلّا ما ارتضاه لنا ونخلع الاستعمار الرّأسماليّ الفاسد وعملاءه من بلادنا خلعاً لا يعودون بعده أبدا وقد آن لكل ذي بصـر منكم أن يدرك أن الحل الجذري للحالة التي أوصلنا إليها هذا النظام هو بالعمل معنا لإقامة دولـة الخـلافة الراشدة، يستظل بلدنا فيها مع غيره من بلاد المسلمين براية العُقاب.
 
 [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُـوا اسْتَجِيبُـوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُـولِ إِذَا دَعَـاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُـوا أَنَّ اللَّهَ يَحُـولُ بَيْنَ الْمَـرْءِ وَقَلْبِـهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَـرُونَ ]
 
28 من محرم 1432
الموافق 2011/01/03م
حزب التحرير
تونس 
 
للمزيد من التفاصيل