كتاب مفتوح من حزب التحرير إلى الهيئات الأكاديمية والإدارية في الجامعات

قام حزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين بتوزيع كتاب مفتوح على رؤساء الجامعات ورؤساء وأعضاء مجالس الأمناء وأعضاء الهيئات الأكاديمية والإدارية وعمداء شؤون الطلبة.

خاطب فيه الحزب الهيئات الأكاديمية والإدارية ناصحاً لهم ومبيناً أن المسؤولية عن أبناء المسلمين توجب على الأساتذة أن يكونوا حراساً أمينين على أبناء المسلمين يصنعون منهم رجالا يخدمون دينهم وأمتهم لا أن يتركوهم فريسة للغرب وثقافته ومشاريعه.

وأكد على هذه المسؤولية في ظل تزايد الكم الهائل من المشاريع والنشاطات التي تستهدف عقول وأخلاق أبناء المسلمين وبناتهم في الأرض المباركة وذلك سعياً لكسر حواجز الحياء وتضييع الحشمة ونقل الشباب والشابات إلى النمط الغربي في العيش والتفكير.

وأكد الحزب أن هذه الهجمة الغربية كان للجامعات نصيب كبير منها فتم تنظيم احتفالات ومهرجانات رقص وغناء ودبكة بتوجيه من الخارج وتنفيذ من السلطة والأدوات المحلية رغم أن الجامعات لها مكانة مرموقة في قدرها ومكانتها، وحث الكتاب الهيئات الأكاديمية على رفع صوت المحاسبة والرفض لما يحدث في الجامعات من إفساد وفي المقابل محاسبة السلطة على تقصيرها وتنصلها من مسؤوليتها تجاه التعليم.

 

وفيما يلي نص الكتاب:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب مفتوح

إلى الهيئات الأكاديمية والإدارية في جامعات الأرض المباركة فلسطين

حضرة رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء المحترمين،

حضرة رؤساء الجامعات المحترمين،

حضرة أعضاء الهيئات الأكاديمية والإدارية المحترمين،

حضرة عمداء شؤون الطلبة المحترمين،

تحية طيبة وبعد،

لقد أكرمكم الله ورزقكم من العلم والمكانة ما جعل أبناء المسلمين أمانة في أعناقكم تعلمونهم العلم بصنوفه المختلفة، ومن باب النصيحة التي أمرنا الله بها ورسوله نتوجه إليكم بهذا الخطاب سائلين الحق سبحانه أن يشرح صدوركم لما فيه من الخير.قال رسول الله: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم.

الأساتذة الكرام:

إن مسؤوليتكم عن أبناء المسلمين توجب عليكم أن تكونوا حراساً أمينين لأبنائنا؛ تعلموهم العلوم المختلفة لتصنعوا منهم رجالاً أخياراً يخدمون دينهم وأمتهم، وتحصّنوهم من الهجمة الكبيرة التي يشنها الغرب على الأمة الإسلامية وشبابها، ونظنكم تدركون أن أعداءنا عاجزون عن تنفيذ مشاريعهم وبرامجهم دون مساعدة محلية، وذلك عن طريق الحكومات والمؤسسات، وأحياناً عن طريق أشخاص رضوا أن يكونوا يد الأجنبي التي تنفذ له ما يريد، حتى لو كان ما يريده يتنافى مع الإسلام وأحكامه، أو يهدف إلى جعل الفتيات والشباب يخلعون ثوب العفة والحياء ويسقطون في ظلمات الفوضى والانحلال، وحتى لو هدد هوية الأمة، وحتى لو مكن الأعداء من البلاد والعباد،...فنحن نعلم أن هناك مأجورين لا يدّخرون جهدا في خدمة أعدائنا...ولكن هؤلاء لن يفلحوا إذا وقف المخلصون من الأمة في وجوههم وأخذوا على أيديهم وأنكروا منكراتهم...

أيها الأساتذة الكرام:

لا يحتاج المتابع لما يجري في فلسطين إلىجهد كبير حتى يلاحظ الكم الهائل من المشاريع والنشاطات التي تستهدف عقول أبناء المسلمين وبناتهم؛ مشاريع تستهدف القيم والثقافة والأخلاق وكسر حواجز الحياء وتضييع الحشمة، وتتركز هذه المشاريع أكثر على مؤسسات ومراكز التعليم والتعلم، وباستقراء واقع هذه المشاريع والنشاطات نرى أن أساسها واحد، وغايتها نقل الشباب والشابات إلى النمط الغربي في العيش والتفكير. ولتحقيق هذا نرى الدعم والتمويل الكبيرين اللذين تقدمهما الدول الغربية لمثل هذه المشاريع والنشاطات، وصدق الله العظيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

ونظنكم تابعتم ما يحدث في المدارس، إذ تم تغيير المناهج وفق اشتراطات الدول المانحة. وبدراسة تلك المناهج؛ يتبين مدى استجابة السلطة لمعايير المانحين، وفوق هذا يتم تنفيذ الكثير من النشاطات اللاصفية في المدارس لكسر حواجز الحياء وإدخال ثقافة الاختلاط والرقص، وتمرير حزمة من الأفكار الفاسدة من خلال دورات أو ورشات أو ما يسمى "المناظرات" التي تمولها جميعها جهات ومؤسسات غريبة عن ديننا وثقافتنا، وتابعة لدول أجرمت في حق الأمة في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وغيرها، ومازالت تقترف الجرائم وتقدم الرعاية والحماية لكيان يهود، قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾.

أما الجامعات وفيها عشرات الآلاف من الشباب من أبنائنا وبناتنا، وهم أبناؤكم وبناتكم، فإنها تتعرض لاستهداف مشابه تصاعد في آخر عامين؛ إذ نُظِّمَ عددٌ من حفلات الغناء والرقص والدبكة، تأثراً بما لحق الجو العام من إشاعة للفساد وضرب للقيم والأخلاق، بل من الجامعات من شجّع أو نظّم ذلك، أو سمح لشركات أو كتل طلابية أو جهات أخرى بتنظيم هذه الحفلات من باب الدعاية!

لقد آلمتنا مشاهد الاحتفال باستقبال الطلبة الجدد هذا العام في أكثر من جامعة، كنا نتوقع منكم أن تُحضِّروا العلماءَ وأصحابَ الكفاءات العالية لاستقبال الطلبة، ليحدّثوهم ويشجّعوهم على بذل الجهد والوسع في طلب العلم لتنتفع بهم أمتهم، أو تُحضِّروا الخريجين من جامعاتكم الذين تركوا بصمات ونجاحات في أعمال وصناعات يشار لها بالبنان وذلك من أجل نقل تجربتهم للطلاب!! لا أن يكون استقبال الطلبة بالغناء والرقص وهز الخصر في مشهد يخدش رجولتهم ويدمي القلب حسرة وألماً على شباب المسلمين، وقد عجبنا كيف سمحت بعض الجامعات بذلك؟! وإلى أين تذهب هذه الجامعات بهذا الجيل؟!

الجامعات لها مكانة مرموقة عالية في قدرها ومكانتها، وإنا لنعجب كيف تفتح الجامعات أبوابها لشركات مثل جوال وغيرها لتجعلها لوحة إعلانات مدفوعة الثمن لعروضها، ولتسويق منتجاتها من خلال حفلات ماجنة تجلب لها أحياناً فرقاً غنائية من خارج فلسطين!!، والأكثر غرابة أن يكون رد بعض الجامعات على المنكرين لهذا العمل: "أننا بحاجة إلى أموال، والشركة دفعت مبلغ كذا"!! فهذا أمر مستهجن جداً، فقضيتنا هي بناء عقول وصناعة شخصيات لتكون رائدة في نهضة الأمة، وإنا نربأ بكم أن تكونوا ممن يقايض العقل والخلق بالمال.

ومن الأمور الخطيرة فتح أبواب الجامعات لجمعيات وجهات مأجورة، للوصول إلى الطلاب لجلبهم خارج الجامعة أو تدريبهم على نشاطات داخل الجامعة، أو تنفيذ مسابقات لغايات الإفساد، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، تفتح الجامعات أبوابها لمؤسسة "أفكار" التي تبث وبتقصد أفكاراً مخالفة لديننا، من خلال مناظرات فكرية تهدف إلى جعل الإسلام وأحكامه محل اتهام وريبة، فمثلاً؛ ماذا يعني أن تتناظر جامعتان على موضوع "ترخيص القتل الرحيم الطوعي"؟! وماذا يعني أن تتناظر جامعتان على "تجريم الزواج دون سن الـ18"؟! وكيف يمكن تفسير ذلك إذا عرفنا أن الجهات المنظمة نفسها تشجع على الاختلاط المبكر وبناء العلاقات بين الذكور والإناث خارج إطار الزواج؟!فعليهم أن يوضحوا لنا، هل مشكلتهم في العفة نفسها؟! وما الخير الذي تقدمه لأبنائنا مؤسسة مدعومة من روزا لوكسمبورغ؟! قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وفوق هذا صارت الجامعات تتنافس فيما بينها لتأسيس فرق دبكة مختلطة بحجة التراث وصناعة الهوية والدفاع عن القضية!! وهنا نتساءل هل نجح أعداؤنا في صناعة الفلسطيني الجديد؟! الفلسطيني الراقص الذي يرى أن أدواته في الدفاع عن أرضه ومقدساته هي المهرجانات والغناء والدبكة؟!

أيها الكرام:

نعلم أن معظم الجامعات تعاني من أزمات مالية وأن عدم توظيف الخريجين يعود على الجامعات سلباً، وهذا كله ناتج عن تقصير السلطة وتنصلها من مسئولياتها تجاه التعليم والتعليم العالي خصوصا، وهذا يتطلب منكم أن ترفعوا أصواتكم في وجه السلطة للقيام بما هو واجب عليها من التزامات تجاه الجامعات، لا أن يكون البديل السماح للمستثمرين ليبثوا سمومهم مقابل المال!

الأساتذة الكرام أعضاء الهيئات الأكاديمية:نخاطبكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،...» رواه مسلم، فنخص هذا الجزء من الخطاب لكم وأنتم الشريحة الكبرى والمهمة في الجامعات، وعلى عاتقكم وبكفاءاتكم تتم العملية التعليمية، نناديكم ونهيب بكم أن ترفعوا أصوات المحاسبة والرفض لما يحدث في جامعاتكم، وأن تعيدوا توجيه البوصلة إلى وجهتها الصحيحة وإعادة الجامعة إلى مكانتها العلمية.

فهؤلاء الطلاب والطالبات أمانة في أعناقكم فلا تضيعوهم، هؤلاء الشباب مستهدفون من أعداء الإسلام لقتل الإسلام وقيمه في نفوسهم وجعلهم غرباء عن أمتهم ودينهم، وإن من مسؤولياتكم حماية أخلاقهم وحمايتهم من العابثين الذي يريدون تدميرهم، وحمايتهم من المؤسسات الغربية التي تنفق الأموال الطائلة من أجل إفسادهم والصدّ عن سبيل الله.

فهذه الجامعات فيها خيرة شرائح المجتمع؛ العلماء والمثقفون والمتعلمون والشباب... وأمثال هؤلاء الأصل أن يكونوا قادة في الفكر وقادة في حركة الأمة في طريق نهضتها، عملهم هو إقامة دين الله في الأرض وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تنشر الخير في العالمين.

أبناؤنا بحاجة إلى أساتذة ورجال أخيار ينفثون فيهم العزَّة والكرامة، وبحاجة إلى مناهج تعليم تبني فيهم قيم الإسلام وترفع من شأن دينهم وعقيدتهم، وترتقي بهم في دروب العلم والمعرفة في كل مجالات الحياة، لينطلقوا حاملين دعوة الخير إلى الناس كافة محققين الشهادة على الناس، قال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾.

وفي الختام:

نعلم أن بين رؤساء الجامعات والهيئات الأكاديمية أو الإدارية من هم من أهل الكتاب "نصارى" وإنا لا نستثنيهم من هذا الخطاب، بل نطالبهم أن تكون لهم مواقف قوية ضد برامج الإفساد وامتهان الأخلاق، ونأمل أن تكون استجابتهم استجابة حسنة، فقد عاش أهل الكتاب ربيع حياتهم في ظل الخلافة بين المسلمين مئات السنين، وحافظ المسلمون على أعراضهم وأموالهم، وقد كان لبعض النصارى مواقف مشرفة في الغزو الصليبي إذ رفضوا أن يكونوا أعواناً لملوك أوروبا ضد المسلمين، وذلك وفاء منهم للمسلمين الذين عاشوا بينهم عيشاً كريماً في ظل الإسلام، فانحاز أعداد منهم إلى جانب المسلمين وكان لهم دور إيجابي مع القائد صلاح الدين عندما حرر بيت المقدس.

فنتوقع منكم أن تقفوا مواقف حازمة وقوية ضد كل البرامج والنشاطات التي تستهدف إفساد الطلاب والطالبات، وسيحفظ المسلمون لكم هذا الموقف، وسيكون لكم به قدم خير في دولة الخلافة القائمة قريباً بإذن الله تعالى، والتي يتوق كثير منكم للعيش في كنفها لينعم بالعدل والإنصاف والعيش الكريم في ظل أحكام الإسلام.

ونختم خطابنا لكم بقول الله تعالى عن أهل الكتاب الذين آمنوا وصدقوابرسالة محمدصلى الله عليه وسلم، ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران: 113-115].

وأخيراً:

نسأل الله تعالى أن تقع نصيحتنا في قلوبكم كما خرجت من قلوبنا، ونسأله أن يعينكم على حمل أمانة أبناء المسلمين والحفاظ عليها، وأن يعينكم على الوقوف أمام قوى الشر فتسجلوا مواقف تبيض بها وجوهكم يوم تسود وجوه المجرمين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

 

اللّهمّ إنَّا قد بلّغنا اللّهمّ فاشهد

وتقبلوا تحياتنا

 

         15 صفر 1440هـ                                                                                                                                     حزب التحرير

      الموافق 24/10/2018م                                                                                                                      الأرض المباركة فلسطين