كلمة العدد

تحركات محمومة ومعارك وهمية يخوضها حكام المسلمين

سعيا لترسيخ يهود في فلسطين

بقلم: م. باهر صالح *

عن الراية

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس 21/12/2017م بأغلبية 128 صوتا لصالح مشروع قرار قدمته تركيا واليمن يؤكد اعتبار مسألة القدس من قضايا الوضع النهائي، التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وكيان يهود، وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهو ما سارع الحكام والسلطة الفلسطينية إلى الترحيب به، بل طاروا فرحا به وعدّوه نصرا مؤزرا، حتى وصل الأمر بالسلطة الفلسطينية أن تصف القرار بـ"الحدث التاريخي"! وجاء في بيانها ما نصه "التصويت لصالح قرار القدس حدث تاريخي، تجلت فيه رفعة الدبلوماسية الفلسطينية، وتعالت الروح الإنسانية الحرة للدول التي انحازت إلى الحق". وقال رئيس الوزراء التركي يلدريم إن العالم "أشهر الكرت الأحمر في وجه القرار الأمريكي الجائر وغير المنصف".

وأشادت دول ومنظمات وشخصيات حول العالم، بإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشروعاً يرفض تغيير الوضع القانوني للقدس، واعتبروه بمثابة "صفعة" دولية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اعتبر القدس عاصمة لكيان يهود.

والناظر فيما يجري وما تبع مسألة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة يهود، بدءاً بمقررات الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، ومرورا بمقررات القمة (الإسلامية) في إسطنبول، وصولا إلى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يلمس مؤامرة خبيثة تُحاك ضد قضية فلسطين وأهلها، ومسرحيات هزلية أبطالها مخادعون مجرمون يدّعون وصلاً بفلسطين وحرصا على القدس في حين إنهم يمكرون بها ويعينون أعداءها عليها!!

فقد جعل الحكام بؤرة تحركاتهم كلها اتفاقيات السلام الخيانية وقرارات الأمم المتحدة الآثمة ومبادرة السلام العربية التطبيعية عام 2002م، بحيث إنّهم جعلوا الوصول لما يسمونه السلام الشامل والعادل أسمى أمانيهم فيما يتعلق بحل قضية فلسطين، وتوسلوا بمبادرة السلام العربية التي تغرز كيان يهود النجس في جسد الأمة الطاهر، وتشبثوا بقرارات الأمم المتحدة التي شرعنت وجود يهود في فلسطين وجعلت منهم دولة ذات حقوق ومكتسبات في الأرض المباركة فلسطين.

والحكام يعلمون علم اليقين أن دعواتهم تلك ومبادراتهم لا تعني إلا إضفاء للشرعية على كيان يهود المحتل، وتجعل (حقّه!) في فلسطين مسألة ليست محل نزاع أو نقاش، فقد انتقل الحكام إلى النقاش والبحث في مسألة ما هي عاصمة كيان يهود، أهي (القدس الغربية) أم القدس الكبرى؟ ولم يعد البحث عندهم هل كيان يهود كيان شرعي في فلسطين أم لا. وأصبح الحكام يروجون للقرارات التي تؤكد على أنّ (القدس الغربية) هي فقط التي ستصبح عاصمة لكيان يهود بعد الفراغ من مفاوضات السلام، يروجون لذلك على أنه حدث تاريخي ونصر عظيم!

فالحكام يريدون أن يجعلوا من السلام مع كيان يهود أصلا وعرفا دوليا وشعبيا لا ينبغي مخالفته أو العدول عنه، وهم بذلك يستبعدون ويغيبون أطروحة تحرير فلسطين وطرد يهود منها تغييبا تاما، ويجعلون من تحرك الجيوش والحل العسكري أمرا غير مقبول أو مطلوب!

فكل القرارات والإجراءات التي اتخذها الحكام هي في حقيقتها تصب في مصلحة الاحتلال، ولقد كانت في فترة زمنية مضت أحد أمنيات يهود البعيدة، ولكنها اليوم بسبب خيانات الحكام وتآمرهم باتت في متناول يد يهود، وينافح عنها الحكام ويناضلون من أجل إتمامها، في مفارقة عجيبة لا يمكن أن تجد لها أصلا في قاموس الأحرار والشرفاء.

ولعل سائلاً يسأل: إذا كانت مطالبات الحكام والسلطة وتحركاتهم ودعوتهم للسلام تصب في مصلحة الاحتلال فلماذا لا يقبلها الاحتلال إذاً؟ والجواب على ذلك أنّ يهود قوم جبلوا على الطمع والمراوغة، ولو تُركت الأمور لهم لما آتوا أحدا شيئا ولو نقيرا، مصداقا لقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً﴾، وحالة الخنوع التي يبديها حكام المسلمين والتعاطف والدعم الذي تقدمه أمريكا ودول الكفر قاطبة لهم لأنهم على ملة واحدة، هو ما يغري يهود ويشعل الجشع عندهم إلى أعلى درجاته، فأوقع في قلوبهم أنّهم قادرون على تحقيق أكثر مما قُدم لهم من حكام المسلمين المجرمين، رغم أنّ ما قُدم لهم كبير وعظيم.

فما يصوره الحكام نصرا مؤزرا وفتحا مبينا إنما هو مكيدة لفلسطين وترسيخ للتفريط بها وبمقدساتها مقابل دويلة هزيلة لسلطة لا تملك من أمرها قطميرا، وما يدعيه الحكام من معارك ونضالات ما هي إلا معارك وهمية مع طواحين الهواء لتسلية الشعوب وإشغال الرأي العام وتمرير المؤامرات.

فتحركات الحكام وقراراتهم أخطر على فلسطين والقدس من قرار ترامب نفسه، إذ إنّ ترامب في عيون المسلمين أحد أبرز أعدائها وهو الخصم قبل يهود، أما أن يأتي التفريط من حكام المسلمين وممن يدعون حب فلسطين وأهلها فهو السم والخداع، فترامب بإعلانه الأخير سعى لتمليك كيان يهود القدس، وحكام المسلمين بتحركاتهم يسعون لتمليك يهود ثلاثة أرباع فلسطين بما فيها غربي القدس!! ولعل هذه المسرحيات التي يديرها الحكام ويتفانون في تمثيلها تكون من أجل تجاوز العقبة التي صرح عنها رئيس وزراء كيان يهود قبل أسابيع من أنّ المشكلة أمام كيانهم هي مع الشعوب والمسلمين وليست مع الحكام والأنظمة، لعلهم بهذه المسرحيات يستعيدون شيئا من ثقة المسلمين المنزوعة منهم، ويستعيدون القدرة على تمثيلهم وتطويعهم لما يريدون تحت ذريعة أن ذلك هو الإنجاز والكسب العظيم!

نعم، الحكام يمارسون شتى الألاعيب والحيل من أجل تضليل الأمة عن الحل الحقيقي لقضية فلسطين ليصرفوا عنه الناس فيمدوا يهود بأسباب البقاء والدوام. فقضية فلسطين حلها العملي والشرعي هو أن تُحرر كاملة من براثن يهود، ولا يكون ذلك إلا بتحريك جيوش المسلمين لتدك حصون الاحتلال وتطهر المسجد الأقصى المبارك، وهو ما يوجب على المخلصين في الجيوش التحرك عاجلا غير آجل لنيل شرف التحرير وتخليص فلسطين كاملة من الاحتلال المجرم، وتخليص الأمة من حكام الضرار.

 

* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين