عباس متمسك ببيع فلسطين وخيانة أهلها

بقلم: خالد سعيد*

عن الراية

بالنظر إلى الحلول المطروحة لقضية فلسطين، والمتداولة على الساحة نجد أن جميعها حلول استعمارية، تهدف لتصفية قضية فلسطين، وتكريس وجود كيان يهود وجعله وجوداً طبيعياً في المنطقة.

ومن أبرز تلك الحلول المطروحة والمتداولة حلان اثنان؛ الأول وهو ما يسمى بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية، يجتمع فيها العرب واليهود على أن تكون السلطة السياسية لليهود، وهو حل تزعمت كبره بريطانيا حين كان لها أثرها الواسع، والبارز في الساحة الدولية، وهو حل تبنته أوروبا فيما بعد ليصبح عنوان الرؤية الأوروبية لحل قضية فلسطين.

صحيحٌ أنه لم يعد له ذلك الانتشار، ولم يعد مطروحاً بقوة منذ فترة طويلة أي منذ أن سيطرت أمريكا وفرضت وجودها على السياسة العالمية، وصارت الفاعل الأكبر في مجريات الأحداث وإدارة ملف القضية، ولكن يظهر بين الفينة والأخرى من يدعو ويروج له للتشويش على المساعي الأمريكية عبر رجالات وأدوات أوروبا في المنطقة.

أما الحل الثاني للقضية فهو ما اصطُلح عليه بحل الدولتين، حيث دولة يهود آمنة مطمئنة لها علاقات طبيعية مع جيرانها من دول المنطقة، وتسيطر على غالبية أرض فلسطين بما يفوق 80% منها، ودولة فلسطينية على البقية الباقية من أرض فلسطين، دولة قابلة للحياة تعتمد في وجودها على ما يمن به المانحون من فتات، مع القيام بوظيفة حماية تأمين حدود يهود من أي تهديد فيما بات يعرف بعقيدة التنسيق الأمني المقدس.

حل الدولتين هذا مثَّل الرؤية الأمريكية للحل مقابل الرؤية الأوروبية، والذي سعت جميع الإدارات الأمريكية إلى الدعوة له، والعمل به وهي مستمرة في حشد الجهود، وصناعة الأدوات، وتهيئة الظروف لتحقيق ذلك، ليس حباً بأهل فلسطين، ونصرة للمظلومين وحفاظاً على حقوقهم بإنشاء دولة لهم، وإنما تصفية للقضية، وإنهاء حالة الصراع مع كيان يهود، وتطبيع العلاقة معه ليتمكن من استكمال دوره الوظيفي المحدد له منذ تأسيسه ونشأته كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب، وإبقاء حالة التفرق والتمزق القائمة في الأمة منذ هدمت دولة الخلافة، وتقسيمها عبر اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة.

ولأن منظمة التحرير ورجالات السلطة ارتبط وجودهم بالمصالح الأمريكية لا ينفك هؤلاء عن التصريح بالتزامهم وتمسكهم بتحقيق تلك المصالح، وعلى رأسها ما يسمى بحل الدولتين فيما يتعلق بقضية فلسطين، وآخر هذه التصريحات خلال استقبال عباس لنائب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني كيانغبا بونكوغ "أكد الرئيس محمود عباس، الأربعاء، تمسك الجانب الفلسطيني بمبدأ حل الدولتين لإنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وفق قرارات الشرعية الدولية. وأطلع الرئيس، الضيف، على آخر مستجدات العملية السياسية، والجهود التي تقوم بها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإحياء المفاوضات، مؤكداً تعاون الجانب الفلسطيني لإنجاح هذه الجهود." (الصفحة الرسمية لعباس على الفيسبوك).

وبينما يهتم عباس بتحقيق مصالح أمريكا، نراه لا يلتفت أبداً لمصالح شعبه وأهله، بل هو يمارس ضدهم أبشع صور الاضطهاد والقمع، ويشارك في حصارهم وقتل أبنائهم، وبدل أن يصيبه الخجل من تلك الممارسات المشينة نراه يتفاخر بها، ويستعرضها كإنجازات أمام ضيوفه الدوليين من باب التسويق لنفسه، وإثبات أنه ممسك بزمام الأمور ويسيطر على الأوضاع ويمكنهم المراهنة والاعتماد عليه فقد جاء في نفس الخبر السابق:

"ووضع الرئيس الضيف في صورة الأوضاع الصعبة التي يعيشها أبناء قطاع غزة، مشدداً على أن الإجراءات التي اتخذت مؤخراً تهدف لممارسة الضغط على حماس للتراجع عن إجراءاتها، وحل اللجنة الإدارية التي شكلتها في غزة، وإعطاء الفرصة لحكومة الوفاق الوطني لممارسة مهامها بشكل كامل في قطاع غزة، والتحضير لإجراء الانتخابات العامة".

تلك الإجراءات التي نفذها عباس بحجة الضغط على حركة حماس لإجبارها على تسليم قطاع غزة له، في الحقيقة إن من يكتوي بنارها ويصطلي بها هم أهل غزة، حيث طالت تلك العقوبات المجحفة، والجائرة كافة القطاعات؛ فالمرضى يعانون على أسرّة المرض في مستشفيات غزة والعديد منهم ممنوعون من التحويل للعلاج بالخارج وفي كل يوم يشيع عدد من الوفيات بسبب هذه الإجراءات، أما منع الوقود وتقليص الكهرباء، والذي وصل إلى 22 ساعة فأكثر فصلاً مقابل ساعتين إلى أربع ساعات وصلاً، والذي أصاب القطاع بحالة من الشلل وتعطيل مصالح الناس والعبث في حياتهم، خصوصاً في ظل موجة الحر الشديد هذه الأيام، وثالثة الأثافي ما أطلق عليه مجزرة الرواتب، والتي أعلن فيها عباس الحرب على قوت الناس ولقمة عيشهم، إمعاناً في الضغط عليهم بغية تركيعهم واستسلامهم، وقد وصل به الإجرام والتآمر إلى قطع رواتب ومخصصات الأسرى والشهداء، انصياعاً لمطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي اعتبرها نوعاً من أنواع دعم (الإرهاب) بحسب الرؤية الأمريكية.

هذه الإجراءات وغيرها والتي يسوقها عباس على أنها للضغط على حماس بينما المتضرر منها هم الناس في غزة، في المقابل فإن حماس لا تبدو متأثرة بذلك فهي لطالما وجدت متنفساً لها، ومخرجاً من مأزقها، وحلاً لأزمتها من خلال اتصالاتها بدول المنطقة، والتي على ما يبدو ليست على توافق مع ما يقوم به عباس، فمن جهة كانت قطر تشكل رئة تتنفس من خلالها حركة حماس، وبعد الأحداث الأخيرة، والغضب الأمريكي على قطر وحملة المقاطعة التي شنتها عليها عبر أدواتها في الخليج بزعامة السعودية، وجدت الحركة نفسها مضطرة للجوء إلى عدو الأمس ليصبح صديق اليوم، لتجد فيه المخلص لها من مأزقها، حيث أجرت الحركة اتصالات وعقدت اتفاقات مع قائد جهاز الأمن الوقائي بغزة سابقاً والنائب في المجلس التشريعي المطرود من غزة منذ 2007 محمد دحلان برعاية نظام السيسي المجرم في مصر، وبدأت معالم تلك التفاهمات تظهر على السطح بعد تكتم شديد حولها من خلال المنطقة العازلة على الحدود في رفح، والتعاون الأمني مع النظام المصري، وكميات الوقود المتدفقة إلى محطة الكهرباء، ما يجعل حماس غير متأثرة من إجراءات عباس، والمتضرر الوحيد منها هم أهل غزة المغلوب على أمرهم، وفي ظل هذه الفوضى، والعبثية والمناكفات السياسية تباع القضية ويتم تصفيتها.

والحقيقة أن أي حل لا يستند إلى الإسلام وأحكامه هو حل فارغ لا جدوى منه وأي حل يستثني تحريك الجيوش لتحرير فلسطين هو حل فاشل مهما بذلت فيه من الجهود، وفلسطين أرض إسلامية لا تقبل القسمة على اثنين وعلى الأمة أن تنهض من كبوتها وتنهي حالة السُبات وتتحرك نحو خلع حكامها وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، تحرك الجيوش وتحرر الأرض المباركة والمسجد الأقصى، حينها يكون الحل الصحيح لقضية فلسطين ويوقف تدخل الكافر المستعمر في قضايانا.

 * عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين