في الذكرى السادسة والتسعين لهدم الخلافة...

بقلم: م. باهر صالح*

     إنّ الحديث عن الخلافة هو حديث عن هوية وحضارة، حديث عن مبدأ وحياة، فالخلافة ليست مجردة فكرة استهوتها قلوب المؤمنين، ولا هي حدث تاريخي مرَّ وانتهى، ولا هي أمنية استعذبها المخلصون فحسب، بل الخلافة منهاج حياة، وعنوان هوية الأمة وحضارتها، وذكرها يستحضر عبق تاريخ عريق من المجد والسيادة والعزة...

لا لنبكي الأطلال وننوح على الجراح، بل لأننا نريد أنّ نحيي أمة بأكملها، ونلملم شعت الملايين من المسلمين المهجرين والمستضعفين، ونعلي كلمتي الحق والدين، نحيي هذه الذكرى.  

نريد أن ننفخ في الأمة رائحة عطر مبدئها وهويتها الإسلامية، فالخلافة هي التي ستعيد للأمة هويتها الإسلامية الراقية، وستنزل الإسلام سدة الحكم والسيادة، وتأخذ بيد الأمة إلى المكانة اللائقة بها، شاهدة على الناس كافة، فتستعيد قيادة العالم نحو الرحمة والخير والهدى، وتقطع أيادي المستعمرين وأرجلهم من بلاد المسلمين.   فالخلافة فكرة تختزل الإسلام العظيم، فهي المطبِّقة لنظامه المحافظة على عقيدته والناشرة له، ولولاها لما ارتفع صوت للإسلام ولا سمعت البشرية بحضارته.  

تلك الخلافة التي بنى أسسها نبي الأمة ورسولها، محمد e، وأعانه وخلفه رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ورفع راية الإسلام خفاقة فوق ربوع الأرض. وبعد أن هُدمت دولة الخلافة في 28 رجب لعام 1342ه، خسر المسلمون الدنيا وما فيها، فانتقلوا من حالة القوة إلى الضعف والفرقة والعذاب، فهذه الشام وتلك العراق، وهذه مصر وتلك اليمن وليبيا وأفغانستان وتونس، والقوقاز وآسيا الوسطى، أهلها مستضعفون، تسلط عليها حكام عملاء أو مستعمرون مجرمون، يسفكون دماءنا ويذبحون أبناءنا ويرملون نساءنا، دون أن يردعهم رادع أو يضع لهم أحدٌ حدّاً.   عشرات الملايين من المسلمين مهجَّرون من بلادهم يتكففون الغرب يسألونهم المأوى والأمن، مهجرون من الشام والعراق واليمن وتونس وليبيا ومصر وبورما، حتى أضحت صورة الهجرة لاصقة بالمسلمين وملازمة لبلادهم!  

وبعد أن كان خليفتنا ينثر الحب على رؤوس الجبال خشية أن يجوع الطير، أصبح رجالنا يعانون الأمرين من أجل تأمين لقمة العيش وقوت العيال، وبلادنا تتصدر بلاد العالم في عدد الفقراء وتدني مستوى المعيشة، بل ويموت المسلمون جوعا وكمدا وليس فقط قصفا وحرقا وقتلا!!  

لذلك كله ولغيره الكثير، نغذ الخطا ونواصل المسير نحو إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فبالخلافة تعود بلاد المسلمين بلدا واحدا، خيراتهم مشتركة مقسمة بينهم فلا يجوع بينهم إنسان، وجيوشهم جيش واحد لا تقوى قوى الكفر على مواجهته أو النيل منه، وحرماتهم واحدة، ودماؤهم واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير أدناهم على أعلاهم، كلهم أحرار لا فرق بين عجميهم ولا عربيهم إلا بالتقوى.  

بالخلافة سيعم الخير والمال، فلا يبقى جائع وجاره إلى جنبه شبعان، ولا يبيت فقير على حصير بينما ينعم أمير بالحرير، بل ستخرج الأرض كنوزها وخيراتها فرحا وسرورا بعودة حكم الله.   بالخلافة سنرد الصاع صاعين لكل من طغى وتجبر على أمة محمد e، وسنقرع أبواب الظالمين والمستعمرين، ليفرح المؤمنون بنصر الله ورحمته...  

وإنّ ذلك لكائن قريبا بإذن الله، فالأمة تتحسس طريق نهضها منذ عقود، وقد أبصرت غايتها جيدا، وأدركت أنّ فلاحها وسبيلها للخلاص من الواقع المرير لن يكون إلا بشرع الله في خلافة راشدة على منهاج النبوة.  

فهذه الجموع في الشام قد عاهدت الله على تحكيم شرعه وعدم الرضا ببدائل أمريكا والغرب، وتلك الجماهير في تونس ومصر ما زالت ثائرة رغم المحاولات المستميتة من الغرب وأدواته لوأد ثورتهم وحرف وجهتهم، والناس في ليبيا واليمن قد تعرى أمامهم كل المرتزقة والأتباع، وتلك إيران وحزبها في لبنان قد انكشف عهرهم السياسي وأدرك الناس أنهم المنفذ لأجندات الغرب في المنطقة وإن ادَّعَوْا خلاف ذلك من بطولات زائفة، وهذا أردوغان وحكام الخليج والسعودية، قد لمس الناس كذبهم وبُعدهم عن الدين ولو تستروا بعلماء وخطابات رنانة...  

نعم، لقد وصلت حالة الوعي في الأمة إلى درجة غير مسبوقة، وهي اللبنة الأولى والركيزة الأقوى في طريق النهضة واستعادة السلطان.   وفوق ذلك ومعه وجود المخلصين وتكاثرهم من أهل القوة والسياسة والحزب التقي النقي الذي عاهد الله على بذل المهج والأرواح من أجل الدين، لتصبح مع ذلك مسألة النصر مسألة وقت لا أكثر.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، والله قد خصنا بوعده بالتمكين والرفعة وهذا كائن لا محالة ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾.   ونحن كلنا ثقة بنصر الله ووعده لنا، فسينصرنا الله عما قريب ولو كره الكافرون. ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

 

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير-فلسطين