بيريسترويكا أوباما إلى أين وعصر الإسلام على الأبواب؟

بقلم عصام الشيخ غانم

في الوقت الذي لا يخفى فيه على السياسيين استمرار تراجع القوة الأمريكية داخلياً، واستمرار تراخي القبضة الأمريكية حول العالم يتم فيه تنصيب باراك أوباما لفترة رئاسية جديدة. وفي الوقت الذي تزداد فيه حدة الانقسامات داخل الولايات المتحدة حول مسائل جوهرية في النظام الأمريكي مثل طريقة تفادي الهاوية المالية، والاختلال الشديد والمزمن في ميزان التجارة الأمريكي، وما يتبع من ضرورة رفع سقف المديونية، وحق المواطن في الرعاية الصحية والتعايش مع البطالة وخطط تقشف حديثة وغريبة على النظام الأمريكي يبرز سؤال كبير حول فرص نجاح إصلاحات أوباما.

وعلى الساحة الدولية تتوسع الهوة بين أمريكا وأوروبا في نظرة كليهما لطريقة الخروج من الأزمة المالية التي بدأت كأزمة رهن عقاري في أمريكا وتوسعت ولا تزال تعصف بالاقتصاديات الرأسمالية عبر العالم، وربما كان التدخل الفرنسي المفاجئ في مالي إشارة إلى ضعف القبضة الأمريكية على "حلفائها" في الأطلسي. وإذا ما أجري استطلاع عام للوضع الدولي مثل الانتخابات "الإسرائيلية" التي يتوسل أوباما فيها "للإسرائيليين" بعدم انتخاب نتنياهو، إلى ضبابية الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط لا سيما بعد ثورات الربيع العربي التي تعصف بعصر التبعية للغرب في المنطقة الأكثر حساسية دولياً،

 ولا تستطيع الولايات المتحدة بعد لملمة نفوذها في هذه المنطقة الأشد اضطراباً على الساحة الدولية، ففي مصر لا تستطيع الولايات المتحدة الثقة بأي سياسة تنتهجها في محاولتها الابقاء على نفوذها في مصر، وعلى أثر الثورة السورية فقد أصبح محور الممانعة الذي بنته أمريكا على عين بصيرة من ايران وسوريا قيد التفكك وقد وضع على طريق الانهيار، فالنظام السوري يترنح للانهيار وقد فشلت كل المحاولات الأمريكية لإنقاذه حتى الآن عبر إيران وروسيا، وقد أصابت العاصفة حكومة العراق التي ألحقتها أمريكا بمحورها المسمى "الهلال الشيعي"، وفي لبنان النفوذ الأمريكي المتمثل في الحكومة الحالية أكثر ضعفاً مما كان عليه نتيجة دعمه غير الخفي للنظام السوري. وأما في مسرح الشرق الأقصى فقد أضحت الصين قوة حقيقية تهدد عظمة الولايات المتحدة الأمريكية وتقضم اقتصادياً من النفوذ الدولي الأمريكي بشكل ناعم، لكنه يشعل كافة نواقيس الخطر في واشنطن. وفي أفغانستان تحث أمريكا خطاها نحو الانسحاب تماماً كما كانت خطى موسكو-غورباتشوف تسارع للخروج من هذا المستنقع سنة 1988.

 

فماذا عسى إصلاحات أوباما تقود إليه؟

يعلم الضالعون في تاريخ الأمم بأنّ تراكم القضايا وشدة الخلاف حول حلها هو من سمات الأمم الضعيفة، ولا يمكن لأمة أن تتبوأ مركز العالم وهي تحمل في خباياها حجماً كبيراً من المشاكل والخلافات، ويعلم هؤلاء الضالعون بأنّ تراكم مثل هذا الكم من المسائل الخطيرة والجوهرية يحمل الدول العظمى لأن تأخذ مكانها بين الأمم المتخلفة والضعيفة وبالتالي غير القادرة على قيادة العالم. وربما يتبادر لأذهان البعض ممن لا يعي التحولات الكبرى في التاريخ، كيف حصلت؟ يتبادر الى أذهانهم تساؤل حول عظم المباني الأمريكية وهول العمران الذي أثمرته الحضارة الأمريكية في كافة المجالات بأنّ ذلك كفيل بالحفاظ على التقدم الأمريكي واستمرار القيادة الأمريكية للعالم؟ ولهؤلاء نشير فقط بعظمة الأهرام التي بناها الفراعنة في مصر، بل وعظمة المباني التي خلفتها الحضارة الاسلامية في الأندلس وفي المشرق والتي يقف المعاصرون مذهولين أمام عظمتها ورفعتها، لكنها لم تمنع من الانهيار! بل ونشير الى ما هو أقرب من ذلك، أين كانت دولة الاتحاد السوفييتي بالأمس؟ وأين هي دولة روسيا الوريثة اليوم؟

وإذا كنا نجزم بأنّ الأحوال السياسية للأمم تكاد لا تتشابه على الاطلاق نظراً لتعدد المؤثرات السياسية في كل دولة عظمى وما كان منها سبباً في هرمها أو سبباً في استعادتها لقوتها، إلا أنّ الكثير من المؤشرات تحلو مقارنتها بين بيريسترويكا غورباتشوف التي أدت الى نهاية الإمبراطورية السوفييتية وأفولها كلياً عن الساحة الدولية وبين إصلاحات أوباما وما نرجح أنها تقود الولايات المتحدة نحو نفس المصير الذي لاقته دولة غورباتشوف.

وبالنظر في الظروف المحيطة بأمريكا داخلياً وخارجياً فإنّ الكثير من أعراض البيروسترويكا أو الملامح الغورباتشوفية تظهر على أوباما وعلى القوة الأمريكية.

كانت أمريكا أثناء الولاية الثانية لجورج بوش الابن وبكافة مؤسسات الحكم فيها تقر بضرورة التغيير، وبلغ من قناعة العالم بذلك أن صرح الرئيس الروسي بوتين وقتها بأنّ أمريكا مصرة على التغيير حتى في جنس رئيسها أو لون بشرته في إشارة إلى المنافسة التي احتدمت بين مرشحي الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون المرأة وأوباما الأسود، وكانت حظوظ الجمهوريين بالفوز ضئيلة للغاية بسبب شدة الانتقادات لسياسة القرن الأمريكي الجديد التي انتهجها بوش والتي أدت وللمرة الأولى دولياً الى انكشاف كبير لحدود العظمة الأمريكية التي كانت قبل ذلك ينظر إليها بأنّها عظمة لا حدود لها،

 وهذه الإرادة الأمريكية في التغيير هي نفس الإرادة السوفييتية التي قادت غورباتشوف إلى الحكم في موسكو أوائل الثمانينات من القرن المنصرم. وفي محاولة لملمة أسباب الضعف الأمريكي قام أوباما بسحب الجيش الأمريكي من العراق، وكان غورباتشوف قد فعل الشيء نفسه سنة 1989 بالانسحاب من أفغانستان للحد من النزيف السوفييتي في القوة العسكرية والاقتصادية والهيبة الدولية، وهي نفس الأسباب التي حملت أمريكا على الخروج من العراق ونفسها الآن في الانسحاب من أفغانستان.

كان ضعف أداء الاقتصاد السوفييتي وبشكل مزمن وخطير هو الذي حمل قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي على دفع غورباتشوف قائداً شاباً للقيام بإصلاحات واسعة في النظام الاشتراكي السوفييتي، وقد كانت أمريكا ببرنامجها حرب النجوم تهدد الدولة السوفييتية بخرق خطير للموازين العسكرية.

 والآن ينذر الكثير من كبار الساسة الأمريكان بأنّ التطور الصيني المتسارع يهدد القيادة الأمريكية للعالم بشكل كبير، وتقف أمريكا عاجزة عن وضع حد لهذا الخطر متسارع النمو، وتقوم أمريكا الآن بتنفيذ سياسة جديدة تنقل خلالها ثلثي الجيش الأمريكي الى مسرح الشرق الأقصى، وتقوم فعلاً بالانخراط بمزيد من السياسات في محاولة للحد من تعاظم القوة الصينية،

 ففي الوقت الذي تزيد فيه الصين من حجم إنفاقها العسكري وتقوم بإرسال المركبات المأهولة إلى الفضاء، تقوم أمريكا تحت وطأة الأزمة المالية بتقليص الإنفاق العسكري وقد أقفلت وكالة ناسا الأمريكية معظم برامجها الفضائية، وأخذت أمريكا أمام هذا الخطر تنفق الكثير من قدراتها لاحتواء الخطر الصيني عن طريق إثارة محيط الصين وخلق القلاقل في محاولة لحصر الصين بمحيطها الاقليمي والحد من تمددها دولياً، وأزمة الجزر اليابانية التي تهدد بالانفجار بين الصين واليابان غير بعيدة عن دوائر صنع الأزمات في واشنطن، وكذلك الحالة الكورية الشمالية التي جعلت منها السياسة الأمريكية وضعاً مستعصياً أمام الحلول.

وأما داخلياً فقد تسبب الضعف الاقتصادي السوفييتي بانهيار الدولة السوفييتية، وكان يغذي ذلك الضعف الفكر الاشتراكي المتردي في تنظيم الاقتصاد، وفي أمريكا فقد تسلم أوباما الحكم والأزمة المالية تعصف بقوة بالاقتصاد الأمريكي، وكإحدى نتائج الأزمة فقد فقدت أمريكا وضعها الريادي في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأضحت بريطانيا منافساً قوياً لأمريكا في هاتين المؤسستين بالغتي الأهمية للنفوذ الاقتصادي الأمريكي دولياً.

 استمرت إدارة أوباما تجرب خطط الترقيع الاشتراكية التي بدأها جورج بوش في نهاية عهده في محاولة لانقاذ الشركات الأمريكية العملاقة، وهنا أخذت تنفجر فقاعات الاحتجاجات الشعبية الأمريكية أمام الخسائر الفادحة التي لحقت بالمواطنين الأمريكيين جراء التراجع الشديد في أسعار العقارات ورفض استخدام أموال الضرائب لانقاذ كبار الرأسماليين، وبعدها الخسائر الناجمة عن حمى إفلاس البنوك، وليس آخر الاحتجاجات الأمريكية الحركة الشعبية ضد الرأسمالية "احتلوا وول ستريت". وهذا ربما يقود الذاكرة الى الاحتجاجات الشديدة التي كان يواجهها غورباتشوف أثناء تنفيذه لخطط الانقاذ "البيروسترويكا".

كان الإعلام الأمريكي والغربي عموماً يضخم من الاحتجاجات السوفييتية لتسريع التحول الاشتراكي نحو الرأسمالية والذي قاد المفكر الأمريكي فوكوياما للحديث عن الانتصار الساحق للرأسمالية تحت عنوان "نهاية التاريخ"، والآن يقوم أوباما بإصلاحاته في ظل غياب الإعلام المعادي الذي يمكن أن يساهم في دفع الرأسمالية الى الانهيار، ولا يوجد كذلك وسائل إعلام للترويج للمفكرين المسلمين الذين يعلنون أمام رؤية الانهيار الرأسمالي بداية عصر الخلافة الإسلامية من جديد.

 ورغم ذلك، فإنّ حجم الضعف السوفييتي ورداءة الأفكار الاشتراكية في في الحد من الركود الاقتصادي هي نفسها التي تشاهد اليوم، فالاقتصاد الأمريكي في الآونة الأخيرة تستوقفه حافة الهاوية على مراحل باتت غير متباعدة، قبل أن تقوده إصلاحات أوباما بعيداً عنها لعدة شهور، ثم يكتشف بعدها أنّه كان يقوده إلى حافة أخرى لهاوية جديدة، يكون الحل معها رفع سقف المديونية، أو التقشف، أو حزم الانقاذ، وهذا كله يشير وبقوة إلى شدة تردي الأفكار الرأسمالية في تنظيم الاقتصاد. وقد أصبح هاجس الانهيار الاقتصادي الشامل يلاحق تفكير السياسيين الأمريكيين كل يوم لا سيما بعد أن انطلقت حول العالم موجة الانحلال عن الدولار والتي بات من المتعذر على الولايات المتحدة منعها.

لم يكن غورباتشوف أبداً يدرك ما يمكن أن تؤول اليه إصلاحاته الاقتصادية والسياسية، تماماً كما لا تدرك أمريكا اليوم المدى الذي يمكن أن تنقاد إليه الولايات المتحدة اليوم تحت وطأة رفع سقف المديونية وقد تكدست الثروة الأمريكية في أيدي قليلة وأصبحت دولة بينهم وحرم بذلك معظم الأمريكيين من تداول هذه الثروة بما تفرضه عليهم الأنظمة الاقتصادية الرديئة.

 بدأ غورباتشوف بوقف النزيف السوفييتي في أفغانستان، وأخذ يكرس جهوده التي ذهبت أدراج العواصف لمنع الثورة البولندية بقيادة حركة العمال – لخفاونسا من أن تؤثر على منطقة نفوذه الراسخة في أوروبا الشرقية. وهكذا فعل أوباما في مشهد غريب من التكرار باخراج القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، وكذلك في منع الثورة السورية من العصف بمنطقة نفوذ أمريكا الراسخة في الشرق الأوسط. انشغلت موسكو لسنوات لعلاج الأزمة البولندية وفشلت في ذلك فشلاً ذريعاً، فقد انفرط عقدها من البلقان ومن أوروبا الشرقية بعد انهيار جدار برلين، وأخذت تنقب أوراقها لتجد لها صديقاً في تلك المنطقة بعد سنة 1991 فلم تجد لها غير صربيا.

والآن تقلب أمريكا كافة أوراقها لمعالجة النقمة العربية على أنظمة الحكام التابعة لأمريكا وللغرب، وقد تعاظم تأزم المسألة السورية أمامها لدرجة الاستعصاء، وأخذت مبكراً تستنجد بروسيا للخروج من الحرج، فلا تستطيع هي أن تقدم الدعم المباشر لنظام الأسد، وتسهر الليالي من أجل تصنيع البديل، وتبذل من أجل ذلك جهوداً مضنية، لكن ثورة الشام المباركة قد عصفت بكل تلك الجهود، ومن المؤكد أنّ أمريكا تدرك عظيم ورطتها بالثورة السورية التي تحولت سريعاً من ثورة لإسقاط الأسد إلى ثورة لبناء الإسلام وإقامة الخلافة الإسلامية، حتى أصبح الدعم الأمريكي لنظام الأسد مكشوفاً فيما يوفره له مبعوثوها عنان والإبراهيمي من أسباب الحياة، بل دفعت سياساتها بالجيوش الروسية إلى المناورة على الساحل السوري لإخافة الثوار المؤمنين بعقيدة الإسلام والواثقين بنصر الله،

 وفعلاً أخذت تتشكل على الأرض السورية نواة صلبة للجيش الإسلامي القادم، فقامت أمريكا بتحصين تركيا لمنع التمدد إليها، ولكنها تدرك أن لا قوة تستطيع منع الثورة السورية بعد النصر من اكتساح الشرق الأوسط برمته في مشهد قريب لتساقط الأنظمة يعيد إلى الأذهان عملية تسارع سقوط الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية.

خسر الاتحاد السوفييتي أوروبا الشرقية في السنة قبل الأخيرة من حكم غورباتشوف، وعاد غورباتشوف لانقاذ ما يمكن انقاذه في الداخل السوفييتي، وبدأ عملية الإصلاح السياسي لطريقة ربط الجمهوريات السوفييتية، وأدت إصلاحاته إلى تفكك الجمهوريات السوفييتية التي صارت دولاً مستقلة، وبذلك انتهى عصر الامبراطورية العتيدة وخلفتها دولة روسيا وأصبحت هائمة تبحث عن مكانتها الجديدة في العالم. كانت إصلاحات غورباتشوف عميقة الأثر داخل الاتحاد السوفييتي وشديدة الوقع في أوروبا الشرقية، ولم يكن يلاحظ الساسة حول العالم أنّ هذه الإصلاحات ستقود إلى تغيير انفجاري في أوروبا الشرقية، بل وداخل الاتحاد السوفييتي نفسه، لكن العالم بأسره قد رأى ذلك العمق الكبير لتلك الإصلاحات عندما رأى توالي الانفجارات.

والآن، وبعد تنصيب أوباما لفترة جديدة، فإنّ مسلسل الفشل في إدارة الأزمة السورية سيقود إلى الانفجار، فقد أخطأت أمريكا تقديرها وبقوة عندما ظنت أنّ بامكانها صناعة البديل للأسد بعد أن ثار الشعب السوري ضده، والآن تقوم الولايات المتحدة بخطأ أكبر عبر دعمها غير المستور للنظام السوري،

 فهي التي تحرض النظام الفاشل في إيران على اسناد الأسد عسكرياً، وقد صارت الأمة ترى أنّ ايران تحافظ على الوجود الأمريكي في العراق وفي أفغانستان، ولم تعد تصدق الكذبة الأمريكية الكبرى المسماة "محور الممانعة" والذي هو صناعة أمريكية لإحكام قبضتها على المنطقة الإسلامية وضبط الإيقاع فيها، بل وأصبحت المساعدات الدولية التي تقررها أمريكا عبر الأمم المتحدة لمساعدة السوريين من قصف الأسد ترسل لهم عبر جزارهم بشار الأسد في مشهد قد فضح كافة السياسات الأمريكية حول الأزمة السورية،

 ويتساءل المسلمون؟ متى كان لروسيا صولة وجولة في المنطقة العربية لترسل سفنها وأسطولها تمرره حكومة تركيا وهي في حلف الأطلسي ويقوم بمناوراته في الساحل السوري وكأنّ الأسطول السادس الأمريكي غير موجود، في مشهد يفضح بقوة التنسيق الأمريكي مع روسيا لاسناد نظام الأسد بعد أن فشلت كافة الجهود الأمريكية في صناعة البديل للأسد في ظل تعاظم الإخلاص في الثورة السورية وتصلب عود أجنحتها العسكرية وقد وقع الكثير منها على وثيقة حزب التحرير لإقامة الخلافة الإسلامية في سوريا.

والمشهد الذي نكاد نراه فيما هو قادم من أيام أو أسابيع أو شهور أنّ هذه الخطة الأمريكية في إسناد بشار الأسد عسكرياً ستنهار أيضاً، وستبنى في سوريا بإذن الله دولة هي على أشد العداء مع الولايات المتحدة، دولة الخلافة الإسلامية، وبإقامتها سينفرط عقد النفوذ الأمريكي بالكامل في الشرق الأوسط عبر انهيار الأنظمة التابعة لها وللغرب عموماً، وقد تبقى لها "اسرائيل" لمدة وجيزة كما بقيت لروسيا "صربيا" أيضاً لمدة غير بعيدة، ثم تنهار.

وعندها بإذن الله سيصبح في العالم نظام جديد، نظام الإسلام في الاقتصاد وفي الحكم وفي كل مناحي الحياة، وربما تغرق أمريكا في الانكفاء على إصلاح الداخل، وربما لا تنجح بعض خطط أوباما في حرف مسار البلاد عن هاوية قادمة لا محالة، وربما لا يتفق سياسيوها على حل يراه المراقب ممكناً، فقد كان من الممكنات السهلة لغورباتشوف الحفاظ على الاتحاد السوفييتي، لكن خلافه العميق مع الزعيم الروسي يلتسين والذي برز نجمه من رحم الأزمة السوفييتية، أدى ذلك الخلاف، وعدم الاتفاق إلى انحلال الدولة مع إمكان الحفاظ عليها، وانهارت أمبراطورية الشر الأولى.

وما يدريك لعله قادم غير بعيد أن يرى الأمريكيون وبسرعة النور في نظام الإسلام الكائن قريباً بإذن الله، فيكون ذلك النور ناراً تحرق امبراطورية الشر الثانية –الولايات المتحدة الأمريكية-،

ونظراً لعمق الأزمات الأمريكية وما يمكن أن تقود إليه من انفجارات عظيمة والإفلاس المشاهد حقيقة في أفكار الرأسمالية، بل وشدة الحنق الدولي على السيطرة الأمريكية الاقتصادية والسياسية حول العالم، ربما قاد كل ذلك إلى تغييرات متسارعة ليس بمنظور أحد أن يصدق بها الآن، تماماً كما لم يكن أحد يصدق بتسارع الأحداث حول الاتحاد السوفييتي. وربما كان من بلاغة أحد الأفغان أن قال بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان: ذهبت موسكو للقضاء على الحركات الإسلامية في أفغانستان، وانسحبت لترى مجموعة كبيرة من مسلميها المضطهدين ينتظمون في حزب إسلامي كبير في الاتحاد السوفييتي. وبالتأكيد فلا يوجد ما يمنع من أن تعود أمريكا بهزائمها من الشرق الأوسط وقد وجدت على أراضيها تياراً قوياً يدعو للإسلام فيها، وله وزن حقيقي في الحياة الداخلية الأمريكية.

وإذا كنا نعيد الى الأذهان بأن تكرار الأحداث السياسية ليس مسألة مؤكدة، وأنّ ما حصل مع دولة كبرى ليس بنفس القصة التي يمكن أن تحصل مع دولة كبرى أخرى، إلا أننا نؤكد بأنّ ما يمكن أن يحصل لأمريكا قد يكون أعظم وطأةً مما حصل حول الاتحاد السوفييتي، وقد يختلف التوقيت قليلاً، إلا أنّ حجم القوة الإسلامية القادمة والمتمثلة بدولة الخلافة والكائنة قريباً بإذن الله من الضخامة والزلزلة ولا يعرف حجمها إلا أصحابها، وهي كفيلة وبجدارة بقلب كافة الموازين الاقليمية والدولية رأساً على عقب لصالح الإسلام، وفي فترة قياسية.     

22/1/2013