أثارت مقابلة الجزيرة مع منتظر الزيدي في نفسي الأشجان وصحبتني العبرات وطربت أذني وشُد انتباهي لسماع الزيدي يقص حكايته في برنامج حوار مفتوح، وبالرغم من أن الحوار لم ينته بعد وبالرغم من أن الحكاية لم تبلغ حلقاتها النهائية بيد أن هذه القصة شكلت في تقديري علامة فارقة وأنموذجاً يحتذى به لأبناء خير أمة أخرجت للناس.
ففي الوقت الذي ينافح فيه البعض عن صولة الدول الغربية في العالم وعن جدارتها لذلك، ويهاجم البعض الآخر الأمة الإسلامية ومبدأها بكلمات صريحة أو من طرف خفي، ويتساءل المغرضون مشككين هل لهذه الأمة إلى خروج من سبيل؟ هل لهذه الأمة من عودة لماض تليد؟ هل لهذه الأمة من سؤدد وعز وتمكين منتظر؟ أم أن التاريخ مزيف؟ أم أن هذه الأمة لم تكن في يوم من الأيام في الريادة والطليعة؟ هل من المعقول أن زيداً وعمراً وعبد الله وعبد الرحمن والقعقاع كانوا يوماً أسياداً للعالم؟ كما هم اليوم جورج وجون وجاك؟
نعم في هذا الوقت العصيب والغريب تأتي قصة الزيدي بعد حادثته لتميط اللثام وتكشف الغشاوة عن حقيقة تلك الحادثة ولتبين حقيقة الدافع الذي يقف خلفها، ولتعطي مثالاً على أبناء الأمة الذين لم تتح لهم فرصة الزيدي من قبل ولم يتمكنوا من التعبير عن فكرهم وشعورهم الذي فاض حتى ملأ الآفاق.
في حكاية الزيدي مثال لمن رفض الضيم ورفض الخنوع والتسليم بالأمر الواقع، وكم من أبناء المسلمين من رضي وتابع وكم منهم من كان شعاره ودثاره(ضع رأسك بين الرؤوس وقل يا قطّاع الرؤوس) أو (الباب اللي بيجيك منه الريح سدوا واستريح)، فهل أغنى عن هؤلاء بعدهم عن ولوج غمار العمل لنهضة الأمة والذود عنها؟! أم أنه أصابهم ما أصابهم؟!
وفي حكاية الزيدي مثال على من قدم مصلحة أمته على مصالحه الشخصية ومن رضي اقتحام الصعاب تاركاً خلفه دنيا طمع فيها الطامعون وتمناها البسطاء والمغفلون،
وفي حكاية الزيدي كذلك دليل ساطع على مدى عبودية الأنظمة لأربابها في واشنطن ولندن وباريس ومدى خضوعها لها وعن مدى الحقد الذي يعتمر صدور زبانية تلك الأنظمة على كل من يؤذي أسيادهم بحذاء أو حتى بكلمة، فهؤلاء قد انحازوا إلى صف أعداء الأمة فكانوا حرباً عليها سلماً لأعدائها،
وفي حكاية الزيدي خير مثال على مدى حرص الأنظمة على إشاعة الفتنة بين المذاهب المختلفة وسعيهم لإذكاء نارها وفي موقف الزيدي خير مثال على مدى رفض الأمة لتلك العصبيات والمذهبيات.
إن حادثة رمي الزيدي لبوش بنعليه ليست حادثة عابرة بل إنها تختزل مدى ما وصلت إليه الأمة من إدراكها للظلم الذي وقع عليها ومدى تقززها من الأنظمة والأوساط السياسية التي استمرأت الذل وعاشت على الاستجداء والمهانة والعبودية،
فالحادثة كانت رسالة لكبير قوى الشر والطغيان الذي تعلقت آمال البعض بوعوده ورؤاه، رسالة عجزت عن إيصالها الجيوش الرابضة في ثكناتها وخجل منها السياسيون الضعفاء والأجراء.
إن حادثة الزيدي قد حظيت بتغطية إعلامية -وحق لها ذلك- لكنها ليست الوحيدة التي تعبر عما وصلت إليه حال الأمة بل إن الكثير من أبناء الأمة صدعوا بكلمة الحق أمام الظالمين وجها لوجه وواجهوا ما أصاب الزيدي ولكن بعيدا عن وسائل الإعلام وهناك في صدور أبناء الأمة الشيء الكثير مما لم يتح لهم إظهاره، ولئن أحيانا الله لأيام وأعوام قادمة لنرين من أبناء المسلمين العجب العجاب سيما إن قامت لهم دولة وقادهم خليفة وإمام نحو ساحات الوغى.
إن أمة أنجبت قادة عظاماً كأمثال الفاروق وخالد بن الوليد وصلاح الدين وقطز لم يكن غريبا عليها ان تنجب أمثال الزيدي ولن يكون غريبا عليها أن تلد أرحام نسائها جيوشاً ممن باعوا أنفسهم رخيصة لعلو شأن أمتهم ولرفع راية التوحيد.
فهل أدرك كل من غفل فظن أن تاريخ الأمة لن يعود وأن الأمة قادرة على أن تستعيد مكانتها؟
هل أدرك كل من شكك بقدراتها أن للأمة ميزات ليست كغيرها وأنها منبع للرجال وأن أبناءها في تضحياتهم وتفانيهم في سبيل الذود عنها وعن مبدئها ليسوا كغيرهم؟
هل أدرك هؤلاء أن الأمة مهما ظُلمت وكُبتت فهي سائرة حتما نحو الظفر؟!
إنه يوم يراه الكافرون ومن لف لفيفهم بعيداً ويراه المؤمنون الذين يتطلعون نحو العز قريباً.
أ.علاء أبو صالح
28/9/2009