بسم الله الرحمن الرحيم

(مؤامراتٌ لإجهاض ثورة الشام!!..)

بقلم: حمد طبيب

تناقلت وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بعض التصريحات للساسة الأمريكان والروس؛ مفادها أنه لا مانع عند الولايات المتحدة من تطبيق النموذج اليمني لتغيير الحكم في سوريا، ثم تبع هذا التصريح تصريح آخر على لسان بعض الساسة الروس يقول: بأن روسيا لا يهمّها شخص الأسد بذاته وإنما استقرار الأوضاع داخل سوريا!

فقد نقلت جريدة (السفير اللبنانية) بتاريخ 29/5/2012 تصريح عن رئيس الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني وليام هيغ في موسكو،  قال فيه: "ليس من يحكم سوريا، وما هو النظام القائم في سوريا هو الأهم، فالأكثر أهمية لنا وقف أي عنف ووقف قتل الناس، وتأمين الحوار السياسي الذي سيقرر السوريون في إطاره مصير بلادهم بأنفسهم"،  وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) 27/5/2012  "أن إدارة الرئيس باراك أوباما تسعى لإقناع روسيا بحلّ للأزمة السورية، يستند إلى التجربة اليمنية؛ حيث تنحى الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم ولكن بقي أفراد من حكومته في السلطة"، وكان الرئيس أوباما قد عرض اقتراح -تنحي الرئيس السوري على شاكلة ما جرى في اليمن- على أعضاء قمة الثماني الاقتصادي في (كامب ديفيد) 17/5/2012، ولم تبد هذه الدول رفضا مطلقاً للمشروع، وإنما بعض التحفظات من جانب الصين وروسيا على الكيفية والأساليب..، وقد ذكر هذا الكلام وزير الدفاع للكيان اليهودي( أيهود باراك) في مقابلة مع شبكة (سي ان ان) الأمريكية بتاريخ 15/5/2012 حيث قال: " على بشار الأسد وكبار المسؤولين المحيطين به وحدهم أن يرحلوا، وليس هيكليات النظام الأخرى بما في ذلك الجيش،  وأعرب باراك عن خيبة أمله لبطء انهيار الأسد، مضيفا أعتقد أن أمره انتهى في مطلق الأحوال..، وأضاف إن أمر الرئيس السوري بشار الأسد انتهى، داعيا إلى اعتماد النموذج اليمني في التعامل مع الأسد، بتركه وفريقه يغادرون البلاد دون تفكيك الحزب والمخابرات والجيش"

فلماذا هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات، ولماذا هذا التغيّر في لغة الخطاب تجاه الزمرة الحاكمة في سوريا؟!

والحقيقة أن تغير لغة الخطاب عند الساسة الأمريكان والروس تجاه سوريا قد جاءت من أجل المحافظة على بقايا النظام العميل الذي ينهار شيئاً فشيئاً داخل سوريا، فقد حصلت تطورات على الأرض دفعت أمريكا دفعاً لتغيير سياستها تجاه الزمرة الحاكمة في سوريا، وللمحافظة على الوضع السياسي داخل سوريا، ومنع أي عملية تغيير جذري يقلب الأمور رأساً على عقب، وهذه التطورات والأمور هي:-

1- عجز الإدارة الأمريكية وأجهزة مخابراتها وعملائها في الشرق الأوسط،  لترتيب وتهيئة الوضع داخل سوريا عن طريق إيجاد البديل السياسي لنظام بشار الأسد، فقد حاولت عن طريق تركيا لإيجاد مجلس وطني سوري يتسلّم زمام الأمر لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وحاولت عن طريق بعض القيادات داخل الجيش الحرّ وفشلت كذلك، وحاولت عن طريق إيجاد ذراع للثورة في الداخل السوري يوالي المجلس الوطني وأيضاً فشلت في هذا الأمر، وفي المحصلة فإن أمريكا عجزت عن إيجاد البديل السياسي في خارج سوريا وداخلها ليملأ الفراغ، وأدركت أنه لا بد من إيجاد البدائل الاخرى لهذا الوضع خوفاً من حصول ما لا يحمد عقباه –أمريكياً- داخل سوريا..

2- النتيجة العكسية التي جنتها أمريكا من إطلاق يد بشار وزمرته في البطش والتنكيل بالشعب السوري، فبدلاً من تركيع الشعب وثنيه عن المضي في طريق الثورة، كانت النتيجة أن ازداد الشعب تصميماً على خلع بشار وزبانيته حتى لو كلف الشعب السوري مليون شهيد!!.

3- ازدياد الانشقاقات داخل الجيش السوري، وازدياد التململ داخل الضباط المخلصين، حتى داخل الفرق الخاصة التي تُستخدم للبطش والفتك، وقد أصبح عند أمريكا بشكل خاص هاجس قوي من الخوف والترقّب من عملية انشقاق كبيرة يصعب السيطرة عليها داخل فرق الجيش السوري، بسبب الأوضاع المتفجرة، وعمليات القتل والتنكيل الشنيعة..

فالفرق الخاصة مثل الفرقة الرابعة لا تستطيع مواجهة انشقاق كبير تسانده جموع المتظاهرين وفرق الجيش الحرّ، وبالتالي ستضطر للاستعانة بفرق من الجيش النظامي تخشى من انشقاقها أيضاً، وتخشى من إطلاق يدها مع معداتها وأسلحتها داخل المدن السورية، وهذا الأمر أصبح الساسة الغربيون والروس يخشون حصوله في أية لحظة..

4- الآثار السلبية التي أحدثتها استمرارية الثورة، وعمليات القمع والتنكيل؛ وذلك داخل المحيط الإسلامي، وفي المجتمع الدولي؛ ففي المحيط الإسلامي أحدثت مآسي الشعب السوري بسبب جرائم بشار وزمرته آثاراً لدى الشعوب المسلمة في الدول المحيطة، وأصبحت تتهم حكوماتها بالصمت والسكوت والتآمر مع نظام الأسد، وبالتالي أحدث هذا الأمر إزعاجا للحكومات وإحراجا أمام شعوبها، وأحدث ململة لدى الشعوب وخاصة في تركيا والأردن ولبنان ومصر.. وفي نفس الوقت أحدثت جرائم بشار فرصة ذهبية لدول أوروبا لتعرية السياسة الأمريكية، ومعها السياسة الروسية في الدفاع عن بشار ومنع اتخاذ قرارات في المؤسسات الدولية ضده، وقد بدأت مواقف الصين وروسيا ببعض التغير نتيجة الضغط الشعبي في هذه البلاد، وبسبب انتهاكات حقوق الإنسان، ووقوف منظمات دولية ضد جرائم بشار منها منظمة رعاية الطفولة، ومنها منظمات حقوق الإنسان وغيرها..

لهذه الأسباب مجتمعة أخذت أمريكا تغير من سياستها تجاه حكم بشار وزمرته، ودفعت روسيا والصين لمساعدتها في هذه المهمة من أجل تطويق الأمور والسيطرة عليها، والدفع باتجاه تغيير حكم بشار على شاكلة ما جرى في اليمن مؤخراً..

ولكن السؤال المهم هنا: هل تستطيع أمريكا وحلفاؤها تطبيق النموذج اليمني داخل سوريا، وهل ينجحون في ذلك؟!

إن الأمر ليس سهلاً على أمريكا وغيرها من الدول لعدة أسباب منها:-

1-      الشعب السوري أكثر وعياً من باقي الشعوب على مخططات الاستعمار، ومحاولاته من أجل الالتفاف على الثورة وإجهاضها، وقد استطاع إجهاض كل محاولات أمريكا والطبقة الحاكمة وعملاء أمريكا من قبل للالتفاف على الثورة، فافشلوا مخطط إنشاء المجلس الوطني السوري العميل لأمريكا، ..

2-      إن الجرائم التي اقترفتها أيدي بشار وأعوانه قد تجاوزت حدّ أن يقبل الشعب السوري ببديل عن النظام من جنس النظام سواء أكان ذلك من السياسيين أو العسكريين، لأن الشعب لا يأمن جانبهم ولا يثق بهم..

3-      وجود رأي عام كاسح في سوريا نحو الإسلام وتطبيق حكم الإسلام؛ عن طريق المخلصين من أبناء الأمة في سوريا، وهذا لم يوجد في اليمن ولا في مصر على هذه الشاكلة القوية؛ وهذا الرأي العام يوجد في جميع قطاعات الشعب السوري بما فيها القوى العسكرية.

4-      إن أية عملية تغيير جديدة في سوريا ستفتح الباب أمام الشعب السوري لقول كلمته التي ضحّى من أجلها وقدم آلاف الشهداء وهي( لن نركع إلا لله).

5-      النموذج اليمني والنموذج المصري وحتى التونسي من قبل لم يجلب استقراراً لعملاء أمريكا والغرب، وما زالت الأمور عائمة حتى اليوم وتوشك على الانفجار في أية لحظة، وهذا يجعل الشعب السوري يرفض هذا النموذج..

إن كل المحاولات والمؤامرات والحلول لقضية سوريا ستصب بإذنه تعالى في طريق عودة الإسلام وتقدّم المخلصين من أبناء الأمة ليقودوا هذا الشعب المخلص المجاهد الذي لا يرضى عن الإسلام بديلاً..

وصدق الحق القائل: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" 36الانفال،  والقائل:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"  الانفال30، والقائل:" وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ" النمل 50-51، والقائل: "وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ" 21يونس.

نسأله تعالى أن يجعل مكر الكفار- للصد عن سبيل الله- سبباً في عودة هذا الدين، وأن يعجّل بالفرج لأهل سوريا الأبرار الأخيار، وأن يكون هذا الفرج بداية لنصر الله ونصرته لهذه الأمة؛ بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي توحد الأمة جميعا تحت لوائها، وتعيد للأمة عزتها وكرامتها، وتحرر المسجد الأقصى المبارك من دنس الكافرين.

 30/5/2012