السراب الخادع في مجلس الأمن

بقلم حمد طبيب

 

ما زال مجلس الأمن منعقدا منذ ثلاثة أيام، وذلك من اجل اتخاذ قرار دولي تجاه المذابح والمآسي التي يقترفها النظام الحاكم في سوريا تجاه شعبه ...فما هو القرار الذي تريد استصداره الدول الكافرة- ومعها الدول العميلة في بلاد المسلمين - في هذا الاجتماع الدولي، وما هي الأهداف والغايات الحقيقية من هذا القرار الماكر الخبيث؟!

هل صحيح أن الدول الكافرة وعلى رأسها أمريكا تعزُّ عليها دماء المسلمين، التي تسفك ليلاً ونهاراً داخل المدن السورية، على أيدي عميلها المجرم من آل الأسد؟!، وهل صحيح أنها تريد إنهاء الأزمة داخل سوريا، لينعم بعد ذلك أهل سوريا بالحرية والأمن والوئام؟!، وهل صحيح أن أزلام النظام داخل سوريا أصبحوا ممقوتين لدى المجتمع الدولي، ويريدون تغييرهم بأزلامٍ جدد أكثر رحمة ومودة لشعبهم المظلوم؟!

إن الحقيقة -التي غابت عن كثير من أهلنا في سوريا وخارجها- هي أن الجرائم التي تحدث الآن في هذا البلد المسلم إنما هي تحت غطاء المجتمع الدولي وشرعته الإجرامية وقوانينه الكافرة، التي نصّبت مثل هؤلاء الطغاة، وتعترف بشرعيتهم كحكام ورؤساء على شعوبهم منذ سنين طويلة، وان الأسلحة الفتاكة التي يذبح بها هذا المجرم السفاح شعبه إنما هي من إنتاج وتصدير هذه الدول المضلّلة الكافرة، وان مصلحة الدول الكافرة هي مقدمة على أرواح ودماء الملايين من أبناء سوريا وغيرها في بلاد المسلمين، وان هذه الدول الكافرة مستعدة لإفناء شعب بأكمله من اجل بقاء هذه المصالح الوضيعة، لأنها تدين بالمبدأ النفعي المصلحي( المبدأ الرأسمالي) البغيض!!..

فلينظر أهلنا في سوريا إلى ما اقترفته أمريكا في العراق وأفغانستان، تحت مظلّة المجتمع الولي وقوانينه الجائرة الظالمة، وتحت سمع وبصر منظومته المنافقة لأمريكا ودول أوروبا، ولينظروا كيف تغطّي أمريكا جرائم اليهود في كل يوم داخل فلسطين المقهورة المسلوبة؛ أرضاً ودياراً، وخاصةً ما جرى سنة 2008 في مدينة غزة الصابرة، وما جرى ويجري من جرائم في كل يوم على أيديهم الآثمة، ولينظروا كيف يَسلخ المجتمع الدولي شعبا عن أرضه ودياره بحجة فصل الجنوب عن الشمال في السودان، ولينظروا إلى آثار الدمار والخراب في يوغسلافيا، وما أحدثه المجتمع الدولي من جرائم هناك!!..

وان الحقيقة الأخرى التي يجب أن لا تغيب عن أهل الشام- وهم خيرة أهل الأرض من عباد الله كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم – هي أن أدوات الدول الكافرة التي تريد استبدالهم بالنظام الإجرامي في سوريا إنما هم أيضا صنائع أمريكا في تركيا وفي الدول الكافرة الغربية، وان استبدلهم بالظالم القديم إنما هو كمن يستجير من الرمضاء الساخنة بلهيب نار حارقة تضع البلاد والعباد من جديد في قبضة أمريكا!!

إن الهدف من هذا القرار الجديد هو احتواء الدماء الزكية الطاهرة التي سالت، وما زالت تسيل على ارض الأحرار المجاهدين في الشام.. والالتفاف على الغايات السامية الهادفة  لتطبيق شرع الله عز وجل بدل هذا الكفر المقيت، والالتفاف على الشعارات الإسلامية التي بات يرددها أهلنا في الشام مثل (إن تنصروا الله ينصركم)، ( وما النصر إلا من عند الله)، ( ما لنا غيرك يا الله )..، فقد أرعب الغرب وزلزلهم أن هذه الهتافات والشعارات السامية تنطلق من مساجد الله عز وجل في ارض الشام، وخاصة أن الكثير من أبناء الثورة وقادتها من التنسيقيات الثورية في الداخل هم أبناء سوريا المخلصين، الذين يريدون حكم الله، ويريدون استبدال هذا النظام الكافر المجرم بحاكم مسلم يغار على دين الله عز وجل وعلى أهله وإخوانه في سوريا الشام...وأرعبهم أيضا أن الكثير من أبناء الجيش المسمى بالجيش الحرّ هم من جنس أمتهم داخل سوريا ويهدفون إلى تحقيق ما تصبوا له جموع الثائرين في ارض الشام.. وأرعبهم وأغاظهم كذلك أن المجلس الوطني الذي صُنع على عين بصيرة من قبل المخابرات الأوروبية والأمريكية والتركية لا توجد له شعبية ولا رغبة فيه بين أبناء تنسيقيات الثورة وقادتها في الداخل لان أهدافه وارتباطاته أصبحت مكشوفة ولا تخفى على أحد داخل سوريا..

وأدرك الكفار مع هذا وذاك حقيقة أخرى هي أن البطش والدماء والأشلاء والأيتام والأرامل والماسي التي يقترفها النظام في كل يوم تزيد الشعب السوري إصراراً، وتغلي الدماء في عروق المسلمين في كل بلاد الأرض، وتزيد النقمة على الكفار وعلى عميلهم وصنيعهم من آل الأسد وبالتالي تتسبب بزلزلة عملائهم في باقي بلاد المسلمين!!

لذلك كله ولهذه الأسباب مجتمعة وغيرها أصبح هناك خوف عند الدول الكافرة يتمثل في خروج مجموعة من الضباط المخلصين لشعبهم وأمتهم في ظل هذا الإجرام والتردّي ليأخذوا زمام الأمر، ويمسكوا بمقود هذه السفينة الموشكة على الغرق، لينقذوها ويقودوها إلى بر الأمان، وبالتالي تضييع كل آمال الغرب، وكل مخططاتهم في سوريا، وتكون هذه البادرة الطيبة مفتاحا لتغيير كل عملائهم في المنطقة وخاصة مصر والأردن ولبنان!!

هذا هو السبب الحقيقي وراء اجتماع كل الدول الكافرة -ومعها الدول العميلة- الآن في مجلس الأمن الدولي وعكوفها عدة أيام  لاستصدار قرار حتى ولو كان هزيلا، من اجل الالتفاف على هذه الأهداف السامية العظيمة، ومن اجل وضع حدٍّ لهذا الخطر الداهم القريب الحصول حسب تصوّرهم ونظرتهم ...

وقد قدمت الدول الغربية تنازلات كبيرة لروسيا والصين مقابل تمرير هذا المشروع، وسواء أفلحت في استصدار قرار أم لم تفلح فإن السؤال الأهم هنا: هل تقبل تنسيقيات الثورة داخل سوريا بهذه المؤامرة، وهل سترضى أن يكون ثمن دمائها بهذه الطريقة المهينة وبثمن بخس، وهل ستضع قرارات (المؤامرة) التي من الممكن أن تصدر عن مجلس الأمن في قابل الأيام حدّاً لثورة أهل سوريا الأبرار تجاه الظلم والإجرام ؟!

إن الذي سيقبل بذلك هو فقط قادة المجلس الوطني السوري وبعض التنسيقيات من أبناء الثورة ممن ينطلي عليهم الكذب الظاهر، لكن اغلب التنسيقيات، واغلب الشعب السوري الحرّ، والجيش الحر لن يقبل بهذا الركوع المهين أمام أهداف وبرامج ومخططات الدول الكافرة.. وسوف تستمر هذه الثورة المجيدة الربانية حتى لو كلّف ذلك مليون شهيد، حتى تزرع  راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق ارض الشام، وتُقام فيها دولة الإسلام عما قريب...

فالله تعالى يريد أمراً، وأمريكا ودول أوروبا تريد  أمرا آخر، والله يفعل ما يريد.. قال تعالى: (..وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 21- يوسف)، (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ- 30  الأنفال)، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ 36- الأنفال

فغداً بإذنه تعالى ستشرق شمس الإسلام من وسط الشام لتكون بداية الخير من قلبها، وتنطلق إلى كل ربوع الأرض ليصدق بذلك قوله تعالى (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 32 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33- الأنفال، وقوله عليه السلام:( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتيهم نصر الله وهم على ذلك قيل أين هم يا رسول الله قال :هم بالشام)،  نسأله تعالى أن يكون ذلك قريبا..

4-2-2012