أضواء على  وثيقة الأزهر الجديدة

بقلم حمد طبيب

بين الفينة والأخرى يطل علينا مشيخة الأزهر، ومن سار معهم وأيدهم بوثائق يحرّرها لهم حكام مصر، ويشرفون على إخراجها وإصدارها، الهدف منها تضليل المسلمين باسم الدين، وتثبيت أركان نظام الكفر والضلال في أرض مصر، والترويج لفكرة فصل الدين عن الحياة، وإبعاد الناس عن الهدف السامي الصحيح، وهو إعادة مصر إلى وضعها الطبيعي، في ظل حكم الإسلام ودولة الإسلام..

 وقد صدرت أمس الأول وثيقة جديدة عن مشيخة الأزهر، بحضور شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وتحت إشراف رئيس الوزراء، الجنزوري، وبحضور وموافقة بعض المشايخ من الجماعات الإسلامية ..

فما هي حقيقة هذه الوثيقة الجديدة -في ظل هذه الظروف العصيبة، وفي ظل ظلم الجيش وظلم الوزير الجنزوري، وسفكه للدماء البريئة الطاهرة، وفي ظل نشر الفساد والظلم والرعب والخوف وعدم الأمن في أنحاء مصر بأكملها؟!..

هل جاء في هذه الوثيقة الجديدة وجوب إعادة السلطان للأمة، بعدما اغتصب منها قهراً وجبراً؟!، هل جاء فيها جعل السيادة للشرع، بعدما نُزع الشرع، ونحّي جانباً، واستعيض عنه بقوانين الكفار الغربيين؟!، هل جاء فيها الاقتصاص من الظلمة ومحاسبتهم على جرائمهم في إهراق دماء المسلمين، وسلب أموالهم وانتهاك أعراضهم؟!، هل جاء فيها وجوب الإفراج عن آلاف الأسرى المظلومين، وكشف حقيقة المفقودين، من الذين لا يُعرف مصيرهم؟!، هل جاء فيها وجوب قطع العلاقة مع دولة يهود، وخلع السفارة اليهودية، وطرد السفير اليهودي، ثم إعلان الجهاد من أجل تحرير ما هو مغتصب من أرض مصر، وما هو مغتصب من أرض فلسطين- بما فيها المسجد الأقصى المبارك- ؟!، هل جاء في هذه الوثيقة الثأر من الجنود الأمريكان، الذين بالوا على رؤوس المجاهدين في أفغانستان، وقطع العلاقة مع أمريكا، وطرد سفيرها وكامل دبلوماسيّيها من أرض مصر؟!..

إنّ ما جاء في الوثيقة لا هذا ولا ذاك، لأن هذه الأمور لا تصدر عن مثل هذه المشيخة التي ارتضت الذل والهوان بمنصب ذليل، والتي قبلت أن تتقلّد بعض المناصب في ظل دولة تفصل الدين عن الحياة وتعترف بالقوانين الدولية وبالشرائع الكافرة، وبمعاهدات الخيانة مع كيان يهود.. فمثل هذه الأمور العظام لا تصدر إلا عن عظام مخلصين لله، باعوا أنفسهم لدينهم لا لحاكم  مجرم!!..

لقد أجمع هؤلاء وهؤلاء على نشر الحريات الكافرة، والديمقراطية في أرض مصر المسلمة ومنها حرية الفنون والموسيقى والسنما، وحرية العقيدة ..

واجمعوا في الوثيقة على أن يتم التوفيق في أي دستور جديد بين القوانين والأعراف الدولية وبين الشريعة الإسلامية ..وقد غطّوا على هذا وذاك -من قرارات إجرامية- بضرورة سحب الجيش من المدن، وتسليم السلطة للمدنيين، وكل ذلك في ظلّ حكم الجيش وقائده المخلص لكيان يهود ومن ورائها أمريكا، فكبرت كلمةً تخرج من أفواه هذه المشيخة، ومن معها ممن يسمّون أنفسهم علماء، إن يقولون إلا كذباً وضلالاً وإفكاً وإجراماًَ ..

لقد كان الواجب الشرعي بحقّ مشيخة الأزهر، ومن معهم من علماء أن يقتفوا سيرة ابن تيمية، والعز بن عبد السلام، والإمام الأوزاعي، وابن قيم الجوزية، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الزبير.. وغيرهم من علماء أفذاذ في تاريخ الإسلام .. بل كان عليهم أن يقتفوا أثر من سبقهم من علماء الأزهر المعتبرين الصادقين؛ كالعالم الجليل ( عبد المجيد سليم ) رحمه الله مفتي مصر في الأربعينيات من القرن الماضي، وهو من مشيخة الأزهر، حيث أرسلوا إليه يريدون فتوى لأهل الفنّ بخصوص حفلة موسيقية راقصة في قصر عادين، فأفتى بحرمة ذلك وبفسق الملك فاروق.. أو يكونوا كالشيخ (المراغي) رحمه الله الذي رفض أن يصدر فتوى طلبها الملك فاروق بعد تطليقه زوجته، تحرم زواجها من غيره، فقال رحمه الله: أما الطلاق فأكرهه لأنه أبغض الحلال إلى الله، وأما زواجها من غيرك فإنه مما أباحه الله .. أو أن يكونوا كالعالم الجليل (محمد أبو زهرة) -رحمه الله- وهو أيضا من مشيخة الأزهر المخلصين؛ حيث رفض أن يصدر فتوى تتعلق بالاشتراكية أيام الحكم بها في مصر وقال مجيباً من طلب الفتوى: نحن علماء الإسلام وفقهاؤه، أُمرنا أن نقول الحق كما هو في الإسلام لا كما يطلبه الحكام!!...

أو يكونوا كالشهيد سيد قطب- رحمه الله- الذي طلب منه حكام مصر أن يكتب كلمة رضاً لحاكم مصر فقال مقولته المشهورة: (إن السبابة التي تشهد في اليوم والليلة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله خمس مرات لتأبى أن تخط كلمة استخذاء لظالم)!!..

إن أمثال هؤلاء من بعض مشيخة الأزهر ومن يسير في ركابهم، أو بعض مشيخة رابطة علماء المسلمين للعالم الإسلامي، أو بعض علماء رابطة العالم الإسلامي، أو البعض من مشايخ البيت الحرام والمسجد النبوي ممن يتصدرون الفتاوى والخطابة، ويمدحون حكام السعودية -عملاء أمريكا- ويدعون لهم بطول العمر والتمكين والاستمرارية .. إنّ أمثال هؤلاء وهؤلاء لا يمثلون الإسلام ولا الفتوى الشرعية، وهم في نفس الوقت ليسوا جميع علماء الأمة، إنما هم قلةٌ قليلة ممن نصّبهم الحكام وارتضوا لأنفسهم الذلّ والهوان، وباعوا أنفسهم بثمن بخس..

إنّ الأمة الإسلامية فيها رجال أفذاذ وعلماء جهابذة، مخلصون لله، لا يرضون الذلّ ولا الهوان، منهم قادة الثورات ضد الاستعمار؛ كما كان الشيخ المجاهد عمر المختار، وعز الدين القسام، ومنهم قادة للتغيير في العالم الإسلامي؛ كما هو العالم الجليل تقي الدين النبهاني وسيد قطب، ومنهم من يتقدّم صفوف الأمة في الثورات الحالية، ويرفض الذل والهوان، وهم بالآلاف في أرض مصر وسوريا واليمن وغيرها..

وفي النهاية أقول ناصحا لهؤلاء من بعض مشيخة الأزهر، ومن انطلى عليهم الكذب، وسار معهم: لا تكونوا كأبي رغال، ولا كابن العلقمي، فتلعنكم الأمة عبر التاريخ حتى تقوم الساعة، وارتجعوا عن غيّكم ونفاقكم، وإفككم، وكونوا كابن تيمية، والعز بن عبد السلام،  وابن القيم الجوزية.. تنالوا بذلك رضى الله عز وجل والجنة، وتنالوا رضى الأمة، وتترحّم عليكم الأمة، وتدعوا لكم بالخير حتى تقوم الساعة .. واعلموا أن الباطل يزهقه الله (إن الباطل كان زهوقاً)، وأنّ الحق يثبته الله ويحقّه ويباركه وينصره، وأن الزبد يزيله الله ويذهبه، وأنّ ما ينفع الناس من الماء الزلال ( الحق والاخلاص) يثبته الله في الأرض فينتفع منه الناس إلى يوم القيامة ..وننصحكم بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ 27 وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ 28 يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) 29-الأنفال- صدق الله العظيم.

 

14-1-2012