الخلافة حق وحقيقة والتنصل منها أو التشكيك في عودتها جريمة

بقلم: علاء أبو صالح/

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

هل الخلافة حلم؟ أم أنها وعد الله وبشرى رسوله للمؤمنين؟ وهل خضعت وعود الله لعباده يوماً لمعطيات البشر وتقديراتهم؟ أم أنّ الله المدبر الممسك بزمام الكون قادر على تسخير الأحداث وتسييرها لتحقيق وعده؟ ومن ثم هل واقع المسلمين اليوم ينطق بسرمدية بقاء الحكم الجبري أم أنّه يدل على اهتزاز أركانه ودنو زواله وقيام الخلافة الراشدة الثانية على أنقاضه؟ وكيف يمتاز المؤمن عن غيره إن لم يتشبث بوعد الله ويسعى لتحقيقه؟

في زمن الثورات المباركة، يصر بعض أقطاب الحركات الإسلامية على التنصل من الدعوة إلى إقامة الخلافة ووصف الداعين لها بالفئة المتطرفة القليلة التي لا تعبر عن تطلع الناس والثورات، كما صرح بذلك الغنوشي أمام معهد دراسات الشرق الأدنى التابع للأيباك، وكما يتحدث بعض أقطاب الإخوان والتيار السلفي في مصر، وكأنها جرم أو عار، وهي الحق ووعد الله وبشرى رسوله، ويتحدث بعضهم عن مبررات واهية يقولون أنّ قيام الخلافة معها محال، وذلك كالظروف السياسية الدولية والوضع الإقليمي والأحوال الاقتصادية وغيرها من المبررات، ونسوا أو تناسوا أنّ إقامة الخلافة فرض محتم لا تخيير فيه وأنّ الله الذي فرضها تكفل بنصرة الساعين لها (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ).

إنّ الانخراط  فيما يسمى باللعبة السياسية في البلدان العربية ضمن مقاييس الغرب، بل وخطب ودّه ودوام الاتصال به، جعل من تلك الحركات تبتعد عن التفكير الشرعي الذي يمتاز به المؤمن عن غيره من بني البشر، فالمؤمن بجانب أخذه بالأسباب يؤمن بوعد الله ويرى تحققه وإن رأى الدنيا تجتمع على إفشاله ورأى الأفق مسدوداً، وهذا ما علمنا إياه الحق سبحانه عندما قال على لسان موسى عليه السلام عندما رأى بنو اسرائيل انسداد الأفق وعدم رؤية سبيل النجاة أمام اليم (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ 61 قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، وهو ما علمناه إياه رسولنا الكريم عندما كان هو وصاحبه أبو بكر في الغار فقال له (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، تلك هي عقلية المسلم واستصحابه لمعية الله وثقته بوعده ونصره مع تمسكه بدينه وتضحيته في سبيله.

إنّ الحركات الإسلامية في هذه المرحلة الفاصلة من حياة الأمة – إن أرادت الخير لها وللمسلمين في الدنيا والآخرة-  مطالبة بتفعيل منطقة إيمانها وعدم تهميش الأحكام الشرعية المتعلقة بالحكم والدستور، وأن لا تنساق وراء الدعاوى التضليلية المغطاة بدعوى الواقعية، وهي مطالبة بالعمل الجاد واستغلال الفرصة –زمن الثورات- لتحكيم شرع الله بإقامة الخلافة في الأرض.  كما أنّه على الحركات أن تدرك أنّ الأمة هي مكمن القوة ومفتاحه وليس الغرب أو أزلامه في بلاد المسلمين، فالأمة هي صاحبة السلطان الأصيل، وأي اعتماد على غيرها مصيره الفشل.

إنّ المسلمين اليوم مطالبون بالتحلي بالوعي والتشبث بكتاب ربهم وسنة نبيهم وأن لا يلفتنهم عنها كل من هجر فحواها ولو زعم التمسك بظاهرها، وليعلموا أنّ الله منجز وعده، وليؤازروا الساعين لإقامة الخلافة وتطبيق شرع حتى يحقق الله لهم وعده بالنصر والتمكين (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، فها هو الملك الجبري يتهاوى ليبزغ فجر الخلافة الراشدة الثانية..

12-1-2012