باكستان واستباق الأحداث...

بقلم: حمد طبيب

 

باكستان هي أكثر دول العالم الإسلامي- خارج منظومة الدول العربية- تهيئة لاشتعال الأحداث ضد رجالات الحكم والسياسة فيها، وذلك يرجع لعد أسباب منها:-

 

1- العمالة والتبعية لسياسة أمريكا، وخاصة في الحرب ضد الإسلام والمسلمين – تحت مسمى محاربة الإرهاب-  في مناطق (وزيرإستان وأفغانستان) ..

وهذا الأمر لا يحتاج إلى أي برهان، فهو يتردد على ألسنة الزعماء الأمريكان، دون خوف ولا اعتبار لمكانة الحكام عند شعوبهم في باكستان، ويتردد على ألسنة الزعماء في باكستان دون حياء ولا اعتبار لحساب من قبل شعوبهم..

فالحكومة الباكستانية تلطخ سمعة الجيش بزجه في هذه الحرب القذرة ضد الإسلام والمسلمين، والجيش يزداد سخطه على حكامه يوماً بعد يوم، ويزداد التململ في داخل صفوفه، ويوشك أن يصل إلى درجة الانفجار..

والشعب ينظر بعين السخط لهذا الأمر المنكر، وخاصة أنّ الشعب الباكستاني جلّه من المسلمين المحبين للإسلام وللجهاد، ويكرهون أمريكا والغرب ...

وهناك تنام واضح لفكرة الخلافة وتطبيق الإسلام وضرورة الانعتاق الكامل من تبعية أمريكا والغرب، وهو ما تعارضه الحكومة الباكستانية وتحارب دعوته.

 

2- الفقر المدقع الذي يعيشه الناس، لدرجة أنّ متوسط دخل الفرد في هذه الدول يبلغ حوالي دولار واحد إلى دولارين في اليوم للأسرة الواحدة، أما البطالة فإنها من أعلى المستويات في العالم، حيث تبلغ حوالي 15-20% في أكثر المناطق، ونسبة الفقراء تحت خط الفقر داخل باكستان حسب تقدير الحكومة للفقر يبلغ حوالي 30% من السكان، ويقول تقرير أعده مركز (وودرو ويلسون) الأمريكي للأكاديميين في واشنطون: بأنّ 77 مليون إنسان مهددون بالمجاعة في باكستان بعد كارثة الفيضانات!!..

 ويبلغ العجز في ميزانية الدولة بين الصادرات والواردات حوالي 8% من الدخل العام، وبلغ الدين العام على باكستان سنة  2011 حوالي 60 مليار دولار، حيث ذكرت قناة (جيو تي في) الباكستانية في تموز لهذا العام أنّ لجنة الشؤون الاقتصادية في الجمعية العامة الوطنية الباكستانية أبلغت بأنّ قيمة ديون باكستان 60 مليار دولار، منها 55 مليار ديون خارجية، وأوضحت أنّ اللجنة عقدت اجتماعاً أبلغها فيه المسئولون في قسم الشؤون الاقتصادية الباكستانية بأنّ ديون البلاد لصندوق النقد الدولي تقدر ب97 .8 مليار، وديون البنك الدولي وبنك التنمية الإسلامي هي 35 .25 مليار دولار .

 

وأضافت أنّ الديون المستحقة على باكستان بشكل قروض من دول أخرى تقدر ب99 .17 مليار دولار، إضافة إلى 6 .1 مليار دولار على شكل سندات!!..

فمثل هذه الإحصاءات تدلل أنّ هناك كارثة اقتصادية في باكستان، بسبب سوء النظام والفساد والسرقات والاستغلال من قبل المتنفذين في الدولة!!...

 

3- الفساد في جهاز الحكم، ويتبعه الحكم الإداري في كافة مناطق الولايات ... فالفساد في جهاز الحكم الرئيسي، أي الرئيس وحاشيته واضح وضوح الشمس، فهو امتداد لفساد قديم ثبت بحق آصف زرداري أيام حكم زوجته بنازير بوتو، حيث كان يدير شبكة من الكازينوهات، وثبت بحقه أيضاً الفساد المالي وسجن بسبب ذلك.

فزرداي وحاشيته هم أفسد الناس في باكستان، وهذا يعلمه الصغير والكبير من أهل باكستان، لكن أمريكا لاعتبارات سياسية معينة قبلت بهذه الشخصية المحروقة كفترة مؤقتة تكون مقدمة لما بعدها.

 

هذه الأمور الثلاثة هي أبرز الأمور التي تجعل باكستان من أبرز الدول المهيأة للاشتعال بل للانفجار في وجه حكامها ..

والحقيقة أنّ الدول الغربية وخاصة أمريكا قد أخذت درساً بليغاً من الأحداث الجارية اليوم فيما يسمى بالربيع العربي، وحسبت حساباً كبيراً لما عليه الحال في باكستان، وخاصة أنّ جماعات إسلامية مخلصة تعمل للتغيير هناك، وتكاد تحدث تغييراً شاملاً في هذا البلد المسلم الحساس !!.

لذلك قامت أمريكا -على وجه الخصوص- بمحاولةٍ لاستباق الأحداث، ووضعها ضمن دائرة التبعية والعمالة، لإجراء عملية تغييرٍ صوريّة داخل باكستان، تشغل الشعب الباكستاني عن القضية الجوهرية والأساسية  والرئيسية، وهي تغيير الأفكار والدساتير وإزاحة رموز الفساد من الحكام الحاليين والسابقين الذين جلبوا الفساد والخراب والدمار للبلد وللشعب برمته، تماما كما تفعل هذه الأيام بإشغال الناس في مصر وتونس بانتخابات لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل دساتير ظالمة فاسدة، وتلهي الناس عن القضايا الجوهرية الكبرى التي تتصل بأسباب الفساد الحقيقي، كالدساتير الفاسدة النابعة من النظام الرأسمالي العفن، وكرموز النظام السابق، الذين ما زالوا يتربّعون فوق رقاب الناس، ويُتبعون البلاد والعباد لأمريكا وكيان اليهود!!

فأمريكا تشغل أهل باكستان اليوم بمظاهرات يقودها الحزب العميل لأمريكا ( حزب الرابطة الإسلامية ) المشهور بإخلاص قادته (كنواز شريف) وولائهم المطلق لأمريكا!!..

وقد قام هذا الحزب بالفعل بتسيير مظاهرات تطالب بالانتخاباتٍ لمعالجة الوضع داخل باكستان، ومن ثم تتطور هذه المظاهرات لتصل إلى حد موافقة الحكومة على تحديد موعدٍ للانتخابات بعد ستة أشهر أو عام، ثم تأتي مرحلة الإعداد لهذه الانتخابات، وإشغال الناس بذلك بدل إشغالهم بالقضية المركزية، وهي معالجة الأمور الرئيسية التي أدت للفساد ومعالجة جذرية ترفع التبعية عن باكستان، وترفع مستواها الاقتصادي، وتعيد لباكستان مكانتها الإسلامية كبلد مسلم يعيش فيه أكثر من 170 مليون مسلم، كلهم يريد الإسلام، ويحب أن يحُكم بالإسلام..

إنها سياسات خبيثة ماكرة يصنعها الغرب على عينٍ بصيرة وواعية تستبق الأحداث، وتضع العراقيل أمام أية عملية تغيير صحيحة وجذرية، سواء أكان ذلك في البلاد العربية أم غير العربية من العالم الإسلامي ..

 

لكن السؤال هنا: أين العقلاء من قادة الجيوش الكبار في مثل هذه البلاد وخاصة باكستان، الذي يعتبر فيه الجيش من أرقى وأقوى جيوش العالم، وفي نفس الوقت لم يخضع ولا يقبل أن يخضع لعملية "فلترة" كما حصل مع الجيش التركي .. فما زالت نفسية قادته وجنرالاته إسلامية صافية، ومازالت شعاراتهم حتى اليوم شعارات إسلامية.. كيف يقبل هؤلاء القادة والجنرالات بهذه الأوضاع المزرية لشعبهم المسلم؟!، وكيف تنطلي عليهم هذه المسرحيات الهزلية؟!.. أليس فيهم رجل رشيد يأخذ زمام الأمر، ويخلع فساد هذه الطغمة الفاسدة، كزرداري وشريف ومشرف لا شرفهم الله جميعا !!..

إلى متى أيها الضباط والقادة في باكستان وغير باكستان تقبلون على أنفسكم أن تكونوا مطايا، وأدوات تمرّر من خلالها المسرحيات المذلة والمهلكة لكم ولشعوبكم؟!، إلى متى يا أيها الجنرالات أصحاب الشعارات الإسلامية،  يا من تحرصون على الصلاة والصوم والحج وتحبون إسلامكم؟! .. أليس من الإسلام إنقاذ أمتكم ودينكم ؟! أليس من العار الكبير أن يحكم باكستان رجال أمثال هؤلاء اللصوص الديّاثين العملاء؟!

أين الغيرة وأي النخوة وأين الحمية الدينية في نفوسكم؟!، ألستم أحفاد قتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم، وغيرهم من رجال عظام ممن حملوا هذا الدين إلى بلادكم؟!.. إننا نناشدكم وكلنا أملٌ في نخوتكم وصدقكم وإخلاصكم .. أن تقوموا لله صادقين.. أن تقوموا وتخلعوا النجاسة من أرض الطهارة -كما سميتموها قبل مئات السنين-، وتزرعوا بدل هذه الأشجار السامة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء نؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..

فاستجيبوا لله وللرسول .. ولأهل الإخلاص من بني دينكم ..  استجيبوا لنداء ربكم وهو يقول:  (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )28 الكهف، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) 25 الانفال.

 

1-11-2011