ركائز الاستعمار تتهاوى
حمد طبيب
إن أعظم حدث وقع في القرن الماضي هو (هدم دولة الإسلام)، بعد حروب طويلة متعددة الأشكال والأساليب، استمرت أكثر من قرن من الزمان، اجتمعت فيها دول الكفر على هذا الأمر الجلل العظيم، وقد اعتبر الغرب وروسيا هذا الحدث انتصاراً عظيماً، أزاح عنهم خطراً كانت ترتجف منه فرائصهم، لكن هذه الدول لم تطمئن اطمئناناً تاماً إلا إذا ضمنت عدم تمكن المسلمين من إعادة هذا الصرح العظيم- صرح الدولة الإسلامية- مرة أخرى كما كان، فماذا فعلت الدول الاستعمارية وعلى رأسها دول الغرب لضمان عدم عودة دولة الإسلام مرة أخرى إلى أرض الواقع ؟!
لقد وضع الكفار خطتهم ضمن ثلاثة أعمال مركزة ومتتابعة ومستمرة الأولى : الاستعمار العسكري، والثانية : زرع العملاء السياسيّين والفكريين، والثالثة : الغزو الفكري بكافة أشكاله.
 ولا نريد أن نفصل في أعمال الكفار بهذه الأساليب الثلاثة في بلاد المسلمين عبر سنوات طويلة استمرت ما يقارب القرن من الزمان، ولكن نريد أن نرى ونتابع كيف استطاعت الأمة- رغم هذه الأعمال الشريرة والأساليب الخبيثة الماكرة- أن تدفع هذه المخاطر عن بلادها، وكيف تمكنت الأمة من الانتصار على هذه الأساليب الشيطانية، وان نرى أين تقف الأمة اليوم تجاه دفع هذه المخاطر للانعتاق من شرها والسير نحو باب عزتها، بعودتها إلى ماضيها المجيد !!.
إن الحقيقة التي غفل عنها الكفار ولم يعوها جيداً هي أن هذه الأمة مرتبطة بالله عز وجلّ، وأن الله عز وجلّ يدافع عنها تجاه شرور الكفر ويحميها منها، وأن الله عز وجلّ يكره الكفر والكافرين ويعلن الحرب عليهم بكلّ قوةٍ وعزم وفي كل مكان .
لقد نسي الكفر أن أمة الإسلام مرتبطة بعقيدة حيّة تثير الكراهية في نفوسهم للكفار، وتكره الذلّ والهوان، وتدفع إلى الرفعة والإباء والعزة والشموخ، وتحرك حامليها للتضحية والفداء والإيثار من أجل الأهداف السامية والغايات النبيلة، وقد ارتبط عمل هؤلاء الكفرة بمفاهيمهم المادية الهابطة فقط، وركّزوا على الأعمال المادية المستوحاة من هذه المفاهيم الهابطة الوضعية، لكن هؤلاء الكفار- وبعد فترة قصيرة- تفاجئوا بأول أثر من آثار هذه العقيدة السامية في حياة المسلمين؛ ألا وهو إعلان الجهاد على قواه العسكرية المستعمرة لبلاد المسلمين؛ في المغرب والشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد، فكانت الثورات ضد الاستعمار العسكري ذات طابع ولون إسلامي مرتبط بالعقيدة الإسلامية، ونابع من مفاهيم الجهاد والتضحية والفداء والشهادة، ونابع أيضاً من كراهية الكفار ووجوب منابذتهم بكل شيء تصل اليد إليه!! ..فكانت ثورة عمر المختار، والشيخ السنوسي، وثورة المهديين.. وغيرهم نابعة من هذه العقيدة العظيمة، واستطاعت هذه الثورات الإسلامية النابعة من عقيدة الإسلام أن تحرّر كل بلاد المسلمين من الكفار وقواهم العسكرية خلال فترة زمنية قصيرة إذا ما قيست بفترة التمهيد والتخطيط لهذا الاستعمار والتي استمرت سنوات طويلة! وقد قدم المسلمون في هذه الثورات ملايين الشهداء؛ في أعمال بطولية عالية لم يعهد الكفار لها مثيلاً أبدا في حياتهم، ولا حتى في تصوراتهم!!.
فهل انتهى الأمر -عند المسلمين- عند حدّ إخراج الثورات لقوى الاستعمار العسكرية ؟!.
إن روح العقيدة واندفاعها في النفوس بقي مستمرّاً ولم يقف عند حدّ إخراج القوات العسكرية فأخذ المسلمون بعد سنوات قليلة من هذا الانتصار العظيم يعملون في طريقين متوازيين للخلاص من شرور الكفار؛ ومما بقي من آثار الاستعمار العسكري والسياسي وأدواته التي خلفها بعد رحيله العسكري من بلاد المسلمين ، الأول: الخلاص من العملاء السياسيين والفكريين والثاني : الخلاص من الفكر المسموم الذي مده الكفار كجسورٍ لوصوله إلى تخريب عقول المسلمين وتخريب بلادهم ..
وما هذه الثورات المباركة المجيدة إلّا مظهراً من مظاهر الخلاص من بقايا الاستعمار، ومن الكفر والكافرين وأدواتهم في بلاد المسلمين، وهي نابعة من صميم عقيدة المسلمين، ومفاهيمها في كراهية الكفار، وكراهية من يوالي الكفار، ووجوب منابذتهم والخلاص من شرهم، ونابعة من مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه الظلم والظلاّم والظلاميين من سدنة الاستعمار، وليس كما يصورها البعض من العملاء الفكرييّن والسياسيين بأنها مرتبطةٌ بالغرائز والحاجات العضوية البهيميّة للمأكل والمشرب وغيرها من حاجات.
إن هذه الثورات المجيدة استطاعت أن تُكمل المسيرة الذي بدأها عمر المختار والشيخ السنوسي وغيرهم من مجاهدين نذروا حياتهم لإخراج القوى الاستعمارية من بلاد الإسلام، فجاء الأبطال المجاهدون من أنصار هذه الثورات وأبطالها، واخذوا يطردون بقايا الاستعمار من الحكام ويخلعونهم كما يُخلع النعل المهتريء من أخمص القدم، وكما يخلع الثوب النتن النجس عن الجسد الطاهر النقي!!.. ولن تبرح هذه الثورات مكانها وتنهي سيرها- بإذنه تعالى- حتى تخلع آخر نجاسة من بلاد المسلمين، وذلك تحت مظلّة هذه العقيدة العظيمة عقيدة الإيمان، وبدافعٍ من مفاهيم الإيمان في الجهاد والتضحية والفداء وبذل الغالي والنفيس في هذا السبيل الربانيّ العظيم! ..
لقد أدرك الكفار يقيناً- وخاصة الغرب- أن عملاءهم السياسيين زائلون لا محالة وفي المستقل القريب القريب، لذلك بدأ هؤلاء الكفار يحاربون عن خطّ الدفاع الأخير كي لا يصل المسلمون إلى الحقيقة، أي حتى لا يصلوا إلى إعادة مشروع عزّتهم بإعادة دولة الإسلام التي هدموها؛ لذلك بادرت دول الغرب بالتظاهر والتصنّع في دعم الثورات ضد ظلم الحكام وإجرامهم؛ من باب دعمهم للحريّات وحقوق الإنسان والديمقراطيات، وليس أدل على هذه الحقيقة من إعلان مؤتمر باريس للدول الصناعية الثماني الكبرى- والذي عقد قبل أيام -عن دعم الثورات العربية بحوالي 40 مليار دولار لتحقيق الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان، وللخلاص من الظلم والقمع والقهر في هذه البلاد كما جاء في البيان الختامي لهذا المؤتمر!!..
إن الحقيقة التي لا يدركها الكفار أن إنفاقهم لهذا المال لن يؤتي ثماره، لأن عقيدة المسلمين سوف تهدم أفكاركم النتنة الخبيثة أيها المستعمرون الضالون لأنها ترتبط بكم وبأعمالكم وعملائكم السياسيين والفكريين، وأن الأمة لم تعد تنطلي عليها مثل هذه الضلالات والأساليب اليائسة في التشبّث بالبقاء في بلاد المسلمين، وبمحاولة الوقوف في وجه تيار اندفاع الأمة نحو باب عزتها وكرامتها ورفعتها ..
فالأمة في هذه الثورات قد ترفع أحياناً شعارات الحرية وحقوق الإنسان، ولكنها لا ترفعها كما تريدون من أفكارهم المسمومة الخبيثة، إنما ترفعها فقط للخلاص من الظلم وعلى اعتبار أنها من عقيدتها ودينها، أي ترفع شعار الحرية ضد الاستعمار وظلم الحكام، وترفع شعار حقوق الإنسان للخلاص من الظلم والقتل والتشرّد والتسلط، وسلب المال وتكبيل الإنسان في بلاد المسلمين، ونقول لهؤلاء الكفرة المجرمين: أن السنوات القليلة القادمة القريبة هي سنوات عودة الإسلام وعودة الأمة لأصالتها، لاستئناف الطريق الذي انقطع منذ ثمانين عاماً مضت بسبب الكفار وحربهم على أمة الإسلام وعلى دين الإسلام .
نعم..سوف تشهد السنوات القليلة القادمة تتويج العمل الذي بدأته الأمة منذ بداية حربها على الاستعمار العسكري، ثم على عملاء الاستعمار، ثم على أفكار الاستعمار الواهية الهابطة المتردية، وإن الله سبحانه وتعالى يمهّد الطريق للأمة وذلك بكشف زيف الكفار وأعمالهم وأفكارهم وعملائهم؛ كما حصل في حرب الخليج وأفغانستان حين أزاحت الستار عن عملاء الكفار من حكام الخليج والسعودية ومصر وسوريا عندما ساندوا قوى الكفار( التحالف) بشكل مباشر ماديا ومعنويا، وكما حصل كذلك في معاهدة السلام مع اليهود حين فضح الله هذه الأنظمة السقطة ودجلها وكذبها على الشعوب سنوات طويلة باسم الوطنية والثورية والتحرر، وكما حصل أيضا في وقوف حكام المسلمين في صف الكفار لحرب الإسلام تحت غطاء الحرب على الإرهاب حيث فضح الله أعمالهم ونواياهم وكشف للأمة أنهم أعداء لدينهم، وكما حصل أيضاً في انهيار الفكر الاشتراكي الذي مهّد الطريق لبروز الصراع جلياً وواضحاً بين الرأسمالية ودولها، وبين الإسلام وشعوب المسلمين، ثم كان التأييد الإلهي العظيم بأن منّ الله على أمة الإسلام أخيراً بتهاوي الفكر الرأسمالي في جوانب الاقتصاد والاجتماع، وذلك بظهور الأمراض الفتاكة في مجتمعات الغرب كالايدز ، وبظهور الأزمات المالية المتتابعة!!..
إن كل هذا الذي يحصل هو تمهيد ربانيٌ عظيم من المولى سبحانه؛ كي تعود الأمة إلى أصالتها، وتعمل جاهدةً لهدم آخر جدار يتترّس خلفه الكفار للبقاء في بلاد المسلمين وذلك للحيلولة دون عودة دولة الإسلام، ولكن هيهات هيهات أن يتحقّق للكفار ما يريدون وقد انهدمت جدرهم واحدا بعد الآخر؛ ابتداء من خروج القوى الاستعمارية مقهورة مندحرة، ثم انهدام الجدار الثاني (العملاء السياسيين)، وها هو الجدار الثالث بإذنه تعالى ينهدم ويزول شيئاً فشيئاً من نفوس المسلمين وعقولهم (أفكار الاستعمار وأساليبه الخبيثة في الغزو الفكري لترسيخها) .
إن قيام دولة الإسلام أصبح فقط مسألة وقت قصير جداً بإذن الله.. وستعود لهذه الأمة عزتها تحت مظلة دينها دين الإسلام العظيم، وسوف يحمل المسلمون هذا النور الإلهي للشعوب الضالة التائهة في كل الأرض، وسوف يفتح الله على أمة الإسلام المعمورة حتى يسير الراكب من أقصى الأرض إلى أقصاها لا يمر فيها إلا عن بلاد المسلمين، وسوف تعلو راية العقاب فوق الفاتيكان في روما، وفوق البيت الأبيض وفوق قصر بركنهام والأليزيه، وسيبلغ هذا الأمر – حكم الإسلام- ما بلغ الليل والنهار، كما بشر بذلك رسولنا عليه السلام، وسيلقى الإسلام بجرانة في كل الأرض، وينتشر العدل في كل المعمورة، وعندها(..وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) 6- الروم،- صدق الله العظيم
1/6/2011