بسم الله الرحمن الرحيم
"الأوساط السياسية والتغيير"
 
في الأحداث الأخيرة التي جرت في العالم الإسلامي، ولا زالت تجري؛ كما حصل في مصر وتونس واليمن والسودان والأردن والجزائر .. هناك درسٌ كبيرٌ يجب أن نقف عنده؛ هذا الدرس هو: مخالفة الأوساط السياسية البارزة في العالم الإسلامي لطموحات الأمة الحقيقية، وتضليلها لها، ومناداتها بأفكار وضيعة؛ مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبرامج سياسية لا تخدم إلا القوى الاستعمارية في بلاد المسلمين!!!
 
فقد أثبتت الأمة الإسلامية في أكثر من مناسبة؛ سواء أكان ذلك عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع، أو عن طريق النقابات والمؤسسات؛ أثبتت أن التوجه العام عندها هو نحو الإسلام؛ ظهر هذا في انتخابات الجزائر سنة 1989م، وفي انتخابات مجلس الشعب المصري في أكثر من مرة، وفي الانتخابات في مجلس النواب الأردني، بالرغم من التلاعب بها جميعها، وأثبتت الأمة هذا الأمر أيضا في غير الانتخابات؛ أي عن طريق حركة الجماهير في المسيرات والمظاهرات العلنية سواء أكان ذلك في الشارع أو في التجمعات والمؤتمرات ..، ويمكن القول بكل سهولة: إن الشارع والرأي العام في بلاد المسلمين هو لصالح الإسلام، وان المعارضة لهذا الأمر ضعيفة إذا ما قيست به!!
 
ولكن للأسف الشديد فإن الأوساط السياسية في العالم الإسلامي سواء ما كان منها في سدة الحكم أو خارجه تُسخّر هذا التوجه العام لأهداف شيطانية تخدم الدول الكافرة ومشاريعها، وتخدم برامج وتطلعات الأحزاب السياسية العلمانية في العالم الإسلامي !!
 
فعلى سبيل المثال لو أخذنا ما يجري في مصر كنموذج حيّ على الأحداث، فإننا نرى اكبر تجمع في مصر ـ وهو تجمع الإخوان المسلمين ـ يضع يده في يد حزب الوفد العلماني الموالي لقوى استعمارية معروفة منذ سنوات طويلة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن هذا التجمع الإسلامي الكبير لا يجرؤ على أن يظهر على الساحة السياسية في خضم هذا الحدث الكبير الجاري الآن في مصر، ويبقى متترّساً خلف قيادات حزب الوفد.
 
وكان الأولى بهذا التجمع الكبير أن يقف مع جماهيره وسط الشارع وفي الأوساط السياسية المؤثرة، وفي الأوساط العسكرية ويطرح مشروع الإسلام السياسي العظيم وهو حكم الإسلام بتحكيم الدستور الإسلامي، لتنحاز كل هذه القوى لصالح هذا الخيار الذي لا يختلف عليه عامة الناس في مصر!!
 
وإذا نظرنا إلى المؤسسة العسكرية في مصر، أو في غيرها من العالم الإسلامي فإننا نرى أن القيادات الأولى من الصف الأول؛ والمؤثرة في القرار العسكري؛ نراها تسير مع النظم العميلة قلباً وقالبا، وتُصنع هذه القيادات على عين بصيرة في أوروبا وأمريكيا، ولعل ما جرى في تونس وما يجري في مصر هو اكبر برهان على هذه المصيبة.
 
فقد كان قرار رئيس الجيش في تونس أقوى من قرار (ابن علي) رئيس البلاد عندما أمره بالرحيل ومغادرة تونس حفاظا على مصالح الاستعمار في بقاء الأمور بيده وعدم خروجها عن دائرة السيطرة، وفي مصر فإن قائد الجيش قد ذهب في خضم الأحداث إلى الساسة الأمريكان في أمريكا، ووضعت له الخطط الاحتياطية لمواجهة الأزمة في حالة خروج الأمر عن السيطرة في الشارع المصري، ولم يكتف الساسة الأمريكان باستدعاء قائد الجيش إلى أمريكا؛ بل إن السفير الأمريكي السابق في مصر قد جاء بنفسه كمبعوث عن الإدارة الأمريكية واجتمع مع القادة العسكريين ورتّب الأمور لأي حدثٍ مستقبليٍّ قد يحدث في مصر ويُخرج الوضع عن سيطرة القيادة المصرية الموالية لأمريكا !!
 
والشيء الذي يُدمي القلب، ويعصر النفس ألماً هو: لماذا كل هذا الإخلاص للكفار وهم يذبحوننا ليل نهار، ويأكلون أموالنا، ويجلدون ظهورنا، بل ويحتقروننا كبشر؟!
لماذا لا يغضب أحد هؤلاء القادة ـ وكلهم مسلمون ـ لدينه وأمته ويأخذ زمام المبادرة لينقذ الناس من هذه الويلات والمصائب العظام؟!
 
ألا يستحق هؤلاء الناس من جموع المسلمين ـ وهم يضحون بدمائهم وأرواحهم في سبيل الانعتاق من الاستعمار، ومن الظلم والفساد العريض ـ ألا تستحق هذه الجموع من القادة العسكريين النظرة إليهم؟!
 
لماذا لا يحترم هؤلاء توجهات الناس وجموعهم، تماما كما يحترم هؤلاء الناس المؤسسة العسكرية في كل العالم الإسلامي؟!
 
والجواب على ذلك هو كما قلنا: الانضباع بقوى الاستعمار عند الصفّ الأول من هؤلاء القادة، والخوف والجبن عند البعض من المخلصين في المؤسسة العسكرية ممن يعرف الحقيقة ويفهمها، ويراها بعين مبصرة بصيرة!!
 
فإلى متى يبقى هذا الحال لهذه الأمة الكريمة ؟! إلى متى يبقى القادة العسكريون يسخرون بالدماء الزكية والأرواح الطاهرة، والتطلعات عند أبناء الأمة؟!
 
لقد آن الأوان عند هذه الجماهير الغاضبة أن تعرف طريق الخلاص الصحيح.. أن تعرف وتعي على هذه الأحزاب الموجهة، أو المغرضة أو التابعة العميلة .. آن لها أن توجّه أبصارها إلى المخلصين من أبنائها ممن تصدوا للكفار وحاربوا كل قوى الاستعمار جميعا وحاربوا أفكاره .. ممن حملوا هذه الأمانة بصدق وإخلاص ليعيدوا حكم الإسلام وسط هذا الظلم والظلام، وآن الأوان كذلك للقادة العسكريين المخلصين أن يتجرّؤوا على اتخاذ القرار الحاسم الشجاع في نصرة هذه الفئة المخلصة لله ولرسوله وللمؤمنين بعد أن خذلتها في عدة مواطن .. آن الأوان لهؤلاء القادة ـ وهم يرون أبناء دينهم وجلدتهم تتقاذفهم مخططات الكفار، وتسيل دماؤهم انهارا وسط عواصم المسلمين ـ آن لهم أن ينقذوهم من كل هذه الشرور !!
 
إن الأمة تتطلع بلهفة لهؤلاء القادة المخلصين أن ينصروا الله ورسوله والمؤمنين، ليخلّصوا المسلمين من هذه الكروب العظام، وهذه الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن، ويحقنوا دماء المسلمين، وفي ذلك فوزهم بخير الدارين الدنيا والآخرة !!....
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ)
حمد طبيب
2/2/2011