بسم الله الرحمن الرحيم
 
"فريضة الحج تُذكّر الأمة بالخلافة"
حمد طبيب – أبو المعتصم
 
تتوجه أفئدة المؤمنين هذه الأيام إلى مشاعر الحج، ويشدون الرحال من كل بلاد المسلمين إلى هذه البقعة الطاهرة؛ ليذكروا اسم الله تعالى، ويعظموا شعائره وليطوّفوا بالبيت العتيق مهللين ومكبرين ..
 
وفي هذا الموضوع نريد أن نقف عند فكرة مهمة يغفل عنها عامة المسلمين، ويتغافل عنها الكتاب، ومن يسمون أنفسهم علماء في بلاد المسلمين، لغاية في نفوس أوليائهم من الحكام، وأسياد الحكام من دول الكفر !!
 
هذه الفكرة هي ارتباط موضوع الحج بفكرة الرعاية الواجبة على أمير المؤمنين في جميع أحكام الإسلام ومنها أحكام العبادات البدنية والمالية، قال عليه السلام: " ...الإمام راع وهو مسئول عن رعيته.. " ( من حديث رواه البخاري ) .
 
فعندما فُرض الحج على المسلمين في المدينة المنورة في السنة التاسعة للهجرة، ونزلت الآيات تفصل أحكامه الشرعية كقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... } (آل عمران /97 ) وقوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ( الحج / 27 )؛ عندما نزلت هذه الأحكام أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه نائباً عنه أميراً على الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة؛ يحرسهم ذهاباً وإياباً، ويرعاهم ويعينهم على مشاقّ الطريق، ويعلمهم مناسك الحج في المشاعر ...
 
قال ابن كثير في سيرته: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قحافة يقيم للناس الحج، وبعث معه علي بن أبي طالب بأربعين آية من براءة حتى أتى عرفة فخطب الناس يوم عرفة، فلما قضى خطبته التفت إلى علي فقال : قم يا علي فأدّ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " ( السيرة النبوية / ابن كثير 4/73 ) .
 
وقبل وفاته عليه السلام بفترة قصيرة ذهب بنفسه أميراً للمسلمين على الحج يرعاهم ويعينهم ويعلمهم. قال ابن اسحق في سيرته: "فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة من سنة عشر تجهزّ للحج وأمر الناس بالجهاز له ... " ( السيرة النبوية /ابن كثير 4/215 ) .
 
وقد ذهب بعض فقهاء المسلمين من الأحناف إن الأصل الشرعي في الحج وفي صلاة الجمعة أنها تؤدى مع إمام المسلمين أو من ينيبه الإمام عنه في ذلك ..
 
واستدل قسم من هؤلاء الفقهاء بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في إرسال أبي بكر رضي الله عنه أميراً على الحج؛ يرعى شؤون المسلمين، وقيامه عليه السلام بهذا الأمر بنفسه صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع، وذكر فقهاء آخرون من الأحناف والشافعية والمالكية أن الأمن هو شرط لوجوب الحج، فإذا انعدم الأمن كان الحج مندوباً حتى يتحقق الأمن؛ أي أمن الطريق ذهاباً وإياباً، وفي مناسك الحج، وهذا الأمر لا يتحقق في زماننا هذا للكثير من أبناء المسلمين على وجه الأرض بسبب ما تدّعيه الدول العميلة من الحرب على الإرهاب خدمةً لأمريكا وكيان يهود؛ أي الحرب على المخلصين من أبناء هذه الأمة الكريمة. فالأمن لا يكون بوصفه الشرعي الصحيح لجميع المسلمين فرداً فردا على وجه الأرض إلا في ظل دولة الإسلام، رغم أنه قد يتحقق لبعض المسلمين في بعض الأقطار.
 
وسواءٌ أكانت آراء الفقهاء هذه راجحة أم مرجوحة لكنها بمجملها تذكر الأمة بضرورة وجود الحاكم الذي يرعى شئونها وينظم عباداتها ويكلؤها بحسن رعايته.
 
وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} ( الحج / 41 ) ذكروا أن شؤون العبادات من صلاة وزكاة وحج لا تقوم بشكلها الكامل إلا في ظل سلطان الإسلام .. قال ابن حيان في تفسير البحر المحيط: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ... }."التمكين هو السلطان ونفاذ الأمر على الخلق" أي وجود السلطان للمسلمين؛ أي(الخلافة) تفسير ابن حيان(6/348)..
 
والحقيقة أن هذا هو عين الصواب؛ فمن يقيم الحدّ على تارك الصلاة؟! ومن يضمن سلامة التحصيل وحسن التوزيع في أمر الزكاة؟! ومن يرعى شؤون الحج في حفظ الأمن وسلامة الطريق، وتمكين العاجز مالياً على القيام بهذا الفرض؟! ومن يوحد المسلمين هذه الأيام في بداية الصيام، وفي الأعياد؟!
 
إن هذا الفرض العظيم (فرض وجود الراعي الذي يرعى شؤون المسلمين جميعاً في كل أمر) يتغافل عنه علماء السلطان هذه الأيام، ولا يربطون العبادات به وذلك حتى يُنسوا الأمة هذا الأمر، وحتى لا يتذكر المسلمون أحكامه الرعوية، وحتى لا يتذكروا كذلك الواجب الشرعيَّ في وجوبِ العمل له فيهدّدوا عروش أوليائهم من الحكام وأسْياد أوليائهم من الكفار!! ..
 
فالإمارة والرعاية في أحكام الحج والحديث عنها يذكّر المسلمين بحقيقة حياتهم التي يعيشونها في ظل غياب هذه الرعاية، ويذكرهم كذلك بهؤلاء الأجراء العملاء من المتربعين على صدورهم من الحكام هذه الأيام، ويذكرهم بقيمة الدولة الإسلامية ووجوب وجودها حتى في أبسط العبادات البدنية أو المالية، كما يذكرهم كل ذلك بوجوب العمل لإعادتها إلى واقع حياتهم مرة أخرى لتستقيم كافة أمور حياتهم ...
 
لذلك كله يجب أن ينصبّ حديثنا في أية مناسبة وفي كل مجلس على ربط موضوع العبادات وباقي شؤون المسلمين بسلطان الإسلام، وعن حال المسلمين هذه الأيام في ظل غيابه، وأن ننبه المسلمين أفراداً وجماعات إلى خطورة تضليل علماء السوء وهم يتحدثون مرة عن إنجازات الحكام في رعاية المناسك، وعن رعايتهم لقوافل الحجاج، أو بروزهم في يوم معين لغسل الكعبة الشريفة وكسوتها وغير ذلك من أضاليل كاذبة تذرو الرماد في عيون المسلمين، وتضع عليها الغشاوات حتى لا يعرفوا حقيقة هؤلاء الحكام، وحقيقة جرائمهم في كل شأن من شؤون المسلمين !!
 
نسأله تعالى أن يكون هذا الموسم العظيم تذكيراً للمسلمين بواقع حياتهم، ودافعاً للعمل الدؤوب من أجل إقامة حكم الإسلام الذي تقام في ظله أحكام الدين، ونسأله تعالى أن يمكّن أهل النصرة من المخلصين من كسب عقول وقلوب أصحاب القوة والرأي في الأمة تمهيداً لإقامة حكم الإسلام؛ خلافة الإسلام التي يرضى عنها ساكن الأرض وخالق السماوات والأرض.
آمين يا رب العالمين
 
7-11-2010م