أهل فلسطين بين المطرقة والسندان
بقلم م.أحمد الخطيب
 
لقد شاء الله أن يرابط أهل فلسطين على هذه الأرض المباركة، فيتلقوا ضربات الغزاة والطامعين بهذه الأرض مرورا بالصليبيين فالتتار فنابليون فالإنجليز وأخيرا اليهود بمعاونة الصليبيين الجدد وتخاذل الأنظمة الفاسدة المتسلطة على رقاب العباد، وقدر لهم أن يتحملوا ويلات الاحتلال اليهودي من قتل وتشريد ومجازر وهدم للبيوت وحرق للمساجد والمزارع، وهُجر معظمهم لينالوا قسطا من ظلم ذوي القربى في دول الجوار أسوة بإخوانهم في تلك الدول.
 
ولكن ما يفوق إدراك معظم أهل فلسطين المقهورين من الاحتلال، كيف تتحول فئة منهم ادعت أنها تحارب المحتل لتحرير فلسطين، إلى سلطة حاكمة تحت الاحتلال وتمارس الظلم والقهر عليهم وبدعم من الاحتلال ومن الدول المانحة التي أوجدت "إسرائيل" ودعمتها بالمال والسلاح وبالقرارات السياسية الظالمة في المحافل الدولية.
 
وأنا هنا لست بصدد التحليل ووضع المقدمات للوصول للنتائج المنطقية لما حدث ويحدث، وإنما أنا بصدد الحديث الذي أثارته وتثيره المنظمات الحقوقية بشكل شبه يومي عن ظلم ذوي القربى في الأرض المباركة التي لا يعمر فيها ظالم.  
 
فقد قالت منظمة هيومن رايتس ووتش على موقعها الالكتروني ونقلته وكالة معا ، إن على السلطة الفلسطينية أن تحقق على وجه السرعة في مزاعم تعذيب محتجزين اثنين على مدار الشهر الماضي بسجن في أريحا وأن تضمن ملاحقة المسئولين عن هذه الإساءات قضائياً، ... وتعتبر هاتان القضيتان من بين أكثر من مئة حالة سجلت هذا العام.
 
لقد كثرت التقارير التي تتحدث عن حالة الانفلات الأمني الذي تمارسه الأجهزة الأمنية للسلطة والذي أسمته هيومن رايتس ووتش "حالة الإفلات من العقاب" فهذه الأجهزة تمارس التعذيب والاعتقال التعسفي والاعتقال السياسي، والاعتقال لحساب بعض الشخصيات والضباط، وقمع الأحزاب والحركات وكل من يعارض نهج السلطة في المفاوضات والتنازلات أو يرفض حق "إسرائيل" في الوجود، وتمنع التجمعات التي سمح بها قانون السلطة على عجره وبجره.
 
وما تناوله تقرير هيومن رايتس ووتش هو جزء يسير من هذه الحالات والتي تعد بالمئات كما ذكر التقرير، هذا إن لم تكن بالآلاف، ولكن حق لنا أن نتساءل لماذا لم تتعرض منظمة هيومن إلى ما يتعرض له معتقلي حزب التحرير في سجون السلطة، خصوصا أن انتهاكات الأجهزة الأمنية تجاه شباب حزب التحرير موثقة لدى هذه المنظمة ولدى كافة المنظمات الحقوقية، وقد تناولتها وسائل الإعلام الداخلية والخارجية.
 
وسأكتفي بذكر حالة واضحة وصارخة ولا زالت قائمة ولا تحتاج إلى تحقيقات لأن المنظمات الحقوقية تحدثت بها وتناولتها وسائل الإعلام، وكتب بها الكتاب، وهي حالة المعتقل السياسي الأستاذ محمد الخطيب الذي اعتقله جهاز المخابرات في رام الله، ثم حكمت محكمة العدل العليا للسلطة بتاريخ 30/8/2010 بإطلاق سراحه فورا، ولكن جهاز المخابرات رفض تنفيذ قرار أعلى سلطة قضائية في السلطة واستمر باعتقاله التعسفي للخطيب وقدمه لمحكمة عسكرية بدون حضور محامي محمد وبدون شهود بتاريخ 13/10/2010 وحكم عليه القاضي العسكري متجاوزا اختصاصاته بالسجن لمدة ستة أشهر .
 
إن حالة الخطيب يعلم بها فياض ومكتب عباس ووزير العدل ووزير الداخلية ورئيس هيئة مكافحة الفساد وغيرهم، وعلم بها الكثير من أعضاء المجلس التشريعي وبعضهم خاطب السلطة بهذا الشأن،
 
 وقد كتب زياد أبو زياد مقالا تعرض فيه لهذا الأمر، نشرته جريدة القدس بتاريخ 17/10/2010ومما قاله "يشعر المرء بالحزن والألم معاً وهو يقرأ مناشدة في الصحف اليومية (في إشارة منه إلى المناشدة التي وجهتها عائلة محمد إلى المنظمات الحقوقية وأصحاب الضمير الحي على صفحات جريدة القدس) تناشد الرئيس ورئيس الوزراء ومؤسسات حقوق الإنسان أن تعمل على إطلاق سراح معتقل تقدم بطلب إلى القضاء لإطلاق سراحه ووصل أعلى مرتبة تقاض وهي محكمة العدل العليا التي أصدرت قراراً بإطلاق سراحه ومع ذلك فهو لا يزال معتقلا لدى أحد الأجهزة الأمنية التي ترفض تنفيذ قرار محكمة العدل العليا وتصر على استمرار اعتقال هذا المواطن، مثل هذا لا يمكن أن يحدث في أية دولة أو سلطة يتحدث مسئولوها عن استقلال القضاء وحكم القانون."
 
ومع ذلك لم يتدخل رئيس السلطة أو رئيس الوزراء أو الوزراء لمنع البلطجة التي تمارسها الأجهزة الأمنية، مما يدل على أن هذه السلطة غير معنية بالعدل والقانون، بل إن الذي يحكم الناس في ظل السلطة هو شريعة الغاب، وكأن السلطة تقول للناس إن القانون لا ينصفكم فخذوا حقوقكم بأيديكم.
 
ويؤكد ما ذهبنا إليه قول جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تقارير تعذيب أجهزة الأمن الفلسطينية للمحتجزين مستمرة في الظهور، والرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض على دراية تامة بالموقف، وعليهما أن يعملا على إصلاح حالة الإفلات من العقاب هذه وأن يضمنا ملاحقة المسئولين عن الانتهاكات أمام القضاء".
 
إن أهل فلسطين أصبحوا متيقنين من أن الظلم الواقع عليهم من مطرقة الاحتلال اليهودي ومن سندان السلطة وأجهزتها الأمنية، لا يمكن التخلص منه بشكل نهائي إلا بعد قدوم جيش الإسلام لتحرير فلسطين وأهلها من براثن الاحتلال اليهودي المجرم.
  عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين