بقلم المهندس باهر صالح/ عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
ما أن أعلن حزب التحرير في ولاية باكستان في الثاني عشر من الشهر الماضي، عن الخطاب المفتوح الذي سيوجهه في التاسع من أيار إلى أهل القوة والمنعة في باكستان في العاصمة إسلام أباد من أمام النادي الصحفي وأمام الإعلام، والذي سيتضمن حلاً لكل مشاكل باكستان، وما أن انطلقت حملة الحزب بكل زخم في الاتصال بالناس للدعوة إلى الخطاب، وتعليق مئات اليافطات في مختلف المدن الباكستانية لتعلن عن الخطاب، والتواصل مع الإعلام لتغطية الحدث، حتى أدركت الحكومة بأنّ الحزب جاد في إعلانه وخطوته التي ربما تحمل الكثير، فاستنفرت الحكومة الباكستانية أجهزتها الأمنية ومخابراتها السرية لإحباط خطوة الحزب. فبدأت المخابرات السرية بالسعي للاتصال بأعضاء الحزب ومن ثم تهديدهم بربط الحزب بالإرهاب ما لم يتراجع عن خطوته ويتعاون معهم، وفزعت فزعاً شديداً.
فما الذي أخاف الحكومة الباكستانية إلى هذه الدرجة؟ وما الذي قد يحمله خطاب حزب التحرير لتستنفر الحكومة أجهزتها الأمنية إلى هذه الدرجة؟
لعل المدقق في حال الحكومة الباكستانية والناظر للساحة الباكستانية يسهل عليه معرفة السبب، فأمريكا تقع تحت ضغط كبير لإيجاد الاستقرار في أفغانستان واستمرار احتلالها لها، ومع قلة دعم دول أعضاء حلف الناتو وعدم جاهزية الجيش الأفغاني، كل ذلك دفع أمريكا للاعتماد بشكل كبير على باكستان لتزيد من جنودها في منطقة القبائل، حيث تتواجد قوات طالبان، وبانهيار الحكومة الهولندية والإعلان عن سحب القوات الهولندية من أفغانستان أواخر عام 2010 وقعت أمريكا تحت ضغطٍ إضافي، مما يجعلها أكثر حاجة لإعادة انتشار القوات الباكستانية، لذلك يشكل الجيش الباكستاني أهم ركائز أمريكا للسيطرة على أفغانستان، وهي تستغل باكستان إلى أبعد الحدود، من خلال الطائرات بلا طيار الأمريكية التي تقصف الأهداف في منطقة القبائل كلما احتاجت إلى ذلك، ومن خلال شن الحرب على وزيرستان ومنطقة القبائل لتصفية عناصر طالبان والمجاهدين وإضعافهم. كل ذلك أحرج الحكومة الباكستانية أمام الشعب وزاد من تأفف الجيش الباكستاني خاصة في ظل أن عناصره بدؤوا يدركون أنّهم وقود حرب غيرهم، وفي ظل التهديد الهندي على الحدود في كشمير واستمرار أمريكا بالضغط باتجاه انتقال الجيش الباكستاني من الجبهة الهندية إلى منطقة القبائل التي تشكل الامتداد التقليدي للمجاهدين ولطالبان، كل ذلك زاد من ضجر الجيش وقادته وتلكئهم في الاستجابة للمطالب الأمريكية ولمطالب الحكومة الباكستانية العميلة. ومع سوء الأوضاع الاقتصادية في باكستان وتقصير الحكومة في رعاية شئون الناس.
كل هذا، دفع الحكومة ومن ورائها أمريكا إلى الخوف من أي شيء قد يعكر عليها الأجواء أو يساهم في إضعاف الحكومة أو التسبب بسقوطها وخذلان الجيش لها، وأبرز من يهدد الحكومة في هذا الاتجاه هو حزب التحرير الذي يستمر في كشف مؤامرات الحكومة وتهاويهم، وتوجيه الأنظار نحو الحل الجذري والوحيد لمشكلة باكستان التي باتت ملتهبة كالنار.
لذلك ليس غريباً أن تفزع الحكومة من خطاب الحزب الذي سيوجهه إلى أهل القوة والمنعة في الجيش والقبائل والذين باتوا أشبه بمن يقف على فوهة بركان.
فمأزق الحكومة في التعامل مع هذا الحدث أطار عقلها، فبدأت بأعمالها الغوغائية للحيلولة دون قيام الحزب بخطوته، مع أنّ الأصل أن لا تخشى الحكومة من حزبٍ سياسي لا يمارس العمل المادي ولا يتخذه طريقاً له. والأصل أنّ ديمقراطيتها الزائفة تملي عليها إفساح المجال أمام الحزب ليمارس حقه السياسي بكل أريحية.
ولكن أنى للحكومة الباكستانية أو الحكومات الأخرى التي جاءت بإرادة أعداء الأمة لا أبنائها أن تواجه الحقيقة أو تعيش عيشاً طبيعيا مع شعوبها!.
وحال الحكومة الباكستانية ليس بدعاً من الحكومات والأنظمة، بل هو حال كل الحكومات والأنظمة الرابضة على صدر الأمة الإسلامية، فبنغلادش بحزبها الحاكم(رابطة عوامي) تحظر الحزب قبل أشهر وتفرض على ناطقه الرسمي هناك الإقامة الجبرية، ولم تمهله طويلاً حتى اعتقلته هو ونائبه قبل أيام. والحال أسوء بكثير في قرغيزستان التي تلاحق فيها الحكومة الحزب وأعضاءه بكل وحشية وقسوة، فتسجن وتعذب وتقتل وتهدد وتعتدي على المواطنين لمجرد الانتماء لحزب التحرير حتى دفع ذلك المنظمات الحقوقية والمراقبين من غير المسلمين إلى انتقاد الدكتاتورية التي تعاملت بها الحكومة القرغيزية المخلوعة مع الحزب. وأما أوزباكستان فالحال فيها تعجز الكلمات عن وصفه، وحشية واعتقال وتعذيب يفضي إلى استشهاد العشرات في السجون، والسبب نفسه، الانتماء لحزب التحرير.
وليس الحال في تركيا بأحسن، فالحزب محظور، وناطقه الرسمي معتقل، وطبعاً ليس للمرة الأولى ولا للرابعة حتى. وشبابه يعتقلون ويزجون بالسجون لأعوام متواصلة لمجرد الانتماء للحزب.
وأما مصر والأردن وسوريا وتونس والمغرب وحتى ليبيا وتنزانيا، فالحال فيها إما أسوء أو يقارب زميلاتها، فكم من الآلاف قد سجنوا وعذبوا وأذيب بعضهم بالأحماض الحارقة في هذه البلاد، وحتى البلاد التي ما زالت خاضعة للاحتلال ولم يستقر للحكومة فيها قرار بعد، كأفغانستان والعراق وفلسطين، فهي تشاطر زميلاتها في قمعها وتضييقها على الحزب بدرجات متفاوتة، ففلسطين التي ما زالت تحت الاحتلال بسلطتها الوطنية التي لم تعدو صلاحياتها لغاية الآن أكثر من صلاحيات شرطي مرور الذي لا قيمة لمخالفته بلا قرار القاضي والغطاء الذي يوفره له جهازه، هذه السلطة قمعت وما زالت تقمع النشاطات ذات الطابع السياسي التي ينظمها الحزب، وما زالت تعتقل وتلاحق شباب الحزب بسبب صدعهم برأيهم أو توزيعهم لنشرة فيها موقف للحزب يزعج السلطة.
والقائمة تطول، ولكن القاسم المشترك الأكبر بين كل الأنظمة والحكومات في بلاد المسلمين هو الطغيان الذي تتعامل به مع كل من يخالفها أو يعارض نهجها، وما تشترك به كل هذه الأنظمة في نظرتها للحزب أنها تراه يهدد أنظمته الآيلة للسقوط، فهي غير مستعدة لأن تسمح له بالتعبير عن موقفه ولو كان تعبيراً سياسياً لتتجنب القشة التي قد تقسم ظهر البعير.   
صحيح أنّ مواقف الحكومات والأنظمة في بلاد المسلمين خاصة، وفي غير البلاد الإسلامية تتشابه في دجلها على الشعوب بديمقراطيتها المزعومة وحرية الرأي، وفي قمعها لكل من يعارض توجهها أو يهدد نهجها، إلا إنّ موقف حزب التحرير في ولاية باكستان لا يشابه موقف الحزب في تركيا أو في فلسطين أو في بنغلادش أو في غيرها، لا يشابهه فحسب، بل يطابقه تماماً، فحزب التحرير ولاية باكستان هو نفس حزب التحرير ولاية الأردن وولاية الكويت وولاية أندونيسيا...إلخ، ولا ننصح بالحكومة بأنّ تتوقع من الحزب إلا ما اعتاد عليه العالم أجمع عن حزب التحرير، وهو الجرأة والعزم والصلابة والتصميم. فلن يثني حزب التحرير في باكستان حملة الإرهاب والتخويف أو الاعتقالات أو الإغراءات، لن يثنيه كل ذلك وغيره عن المضي قدماً نحو هدفه.
فلترتقب الحكومة الباكستانية، وليرتقب العالم أجمع خطاب التاسع من أيار الذي لن يحول بينه وبين الحزب إلا قدر الله، أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال (فوا لله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة). ولتثق الحكومة بأنّ الخطاب سيحمل الكثير، ولعله يكون من آخر الخطابات التي يحتاج الحزب لتوجيهها لإقامة الدولة التي باتت قاب قوسين أو أدنى وهذا ما تخشاه الحكومة الباكستانية وأمريكا والغرب.
6-5-2010