إبراهيم الشريف – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
يعيش أهل غزة محنًا عديدة وأزمات تعصف بعصب الحياة، فالصناعة بأنواعها في حالة شلل نصفي، والتجارة أصابتها هستيريا الأنفاق، وقطاع العمال تلقى الضربة الأكبر في تاريخه ونسبة البطالة بلغت معدلًا قياسيًا، وإيقاع الحياة فيها أصبح مرتبطًا بعودة التيار الكهربائي كثير الانقطاع ولساعات طويلة. وبالعموم فإن أوجه المعاناة يصعب وصفها حتى على من يعيش في غزة.
مشكلة تتحدى النسيان وتعذيب مبتكر
وتتميز مشكلة الكهرباء بأنها المشكلة التي تفرض نفسها على تفكير الناس وتتحدى النسيان، ليس لأنها مشكلة يومية فقط بل لأنها ذات تأثير على كل شيء المنازل، المستشفيات, المراكز الصحية، المياه، الصرف الصحي و... وكل المصالح الحيوية، و ذات تأثير على أغلب شرائح المجتمع من المهندس إلى الإعلامي إلى الطالب إلى صاحب الحرفة إلى ربة البيت ..
وما يزيد الضغط النفسي هو عدم انتظام جدول إدارة الأزمة الذي تعده شركة توزيع الكهرباء لا من حيث الوقت ولا من حيث المنطقة الجغرافية، فكل شيء متغير وكل شيء متوقع مما يضطر المرء إلى أن تكون الكهرباء في مركز تنبهه ويكون جدول أعماله متزامنًا مع مجيء التيار الضعيف أصلاً أو انقطاعه الذي يحدث غالبًا دون سابق إنذار ما يجعل المرء عاجزًا عن التكيف مع الوضع ويجد نفسه أمام تعذيب من نوع مبتكر.
بالإضافة إلى زيادة المصروفات الناتجة عن لجوء الناس إلى المولدات الكهربائية بأنواعها فهي تحتاج إلى وقود وصيانة مستمرة، والأخطر من ذلك هو ازدياد حوادث احتراق و انفجار هذه المولدات منخفضة الجودة.
عوامل انفجار الأزمة
 وقد برزت هذه الأزمة  عام 2006م عندما قصفت الطائرات اليهودية ليلاً أمام ناظريّ وفي مشهد مأساوي ودوي أرعب النساء والأطفال محطة التحويل الملاصقة لمحطة التوليد الوحيدة في قطاع غزة مما أدى إلى شلل كامل فيها ولم تسفر كل الجهود حتى الآن لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل القصف، وفي بداية عام 2008م بدأت "إسرائيل" تقليص كميات السولار الصناعي الذي تبيعه للمحطة بأموال الدعم الخارجي، وكذلك تقليص كمية الكهرباء التي تبيعها للقطاع ضمن سياسة عقاب جماعية، مما أدى إلى مضاعفة العجز وخصوصًا أن مشكلة الغاز الطبيعي تتزامن مع مشكلة الكهرباء ما جعل ربات البيوت يتجهن لاستعمال الكهرباء بدل الغاز في أعمال المنزل فزاد هذا من الأحمال على الشبكة، ثم وفي عام 2009م توقف الاتحاد الأوروبي عن دفع الأموال المخصصة لإمداد محطة الكهرباء بالسولار الصناعي اللازم لتشغيلها وتوجيه هذه الأموال إلى قطاعات أخرى وذلك بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية في رام الله ، كما ورد على لسان مسئول الإعلام والاتصال بالمفوضية الأوروبية في القدس.
وغني عن الإثبات هنا أن هذا الدعم من الدول الغربية إنما هو لتثبيت سلطة تحت الاحتلال تحقق النظرة الغربية في فلسطين القائمة على الاعتراف بـ "إسرائيل" في معظم معظم فلسطين وحماية أمن الاحتلال وتخدير المنطقة وأهل فلسطين.
 
مشكلة سياسية بالدرجة الأولى
إلا أن الخطر في هذا الموضوع هو اعتبار أن المسألة إنسانية وإن كانت تمس الإنسانية، لأن التعامل معها من ناحية إنسانية فقط يكرّس المشكلة ولا يحلها، فإيجاد جهة تشتري الوقود لمحطة التوليد لا يحل المشكلة لأن محطة التوليد تغطي في أحسن حالاتها 30% من احتياجات قطاع غزة وتعتمد على السولار المستورد من "إسرائيل"، وباقي الكمية حوالي(125 ميجاوات/الساعة) 63% يتم شراؤها من "إسرائيل" المحتلة لأرض الإسراء والمعراج، بينما تزود مصر جنوب القطاع بنسبة صغيرة من الكهرباء (17 ميجاوات/الساعةمع العلم أن احتياجات القطاع الآن تتجاوز كل هذا فالموجود من الطاقة على شبكات التوزيع يتأرجح ما بين 190- 200 ميجا وات/ ساعة في حالة الاستقرار، في حين أن المطلوب 270-300 ميجا وات/ ساعة.
وحتى لو انضمت غزة والضفة إلى مشروع الربط الكهربائي السباعي الذي يضم مصر وليبيا والأردن وسوريا والعراق ولبنان وتركيا والذي وافقت عليه الدول السبعة في عام 2008م موافقة مبدئية، فإن هذا كله مشروط بموافقة الاحتلال وشروط الاحتلال وخصوصًا أن شبكة الضفة سيتم ربطها بشبكة الأردن وشبكة غزة بشبكة مصر واستمراره مرهون كذلك برضى الاحتلال، عدى عن أن مد المناطق المحتلة بالكهرباء من قبل البلاد الإسلامية المحيطة بها لتسكين وجع هذه المشكلة يعد تعاوناً مع الاحتلال نفسه وقياماً بواجبات الاحتلال نفسه، ورضى باحتلاله، مع أن الأصل أن تسعى هذه الدول لإزالة الاحتلال سبب هذه المشكلة وبقية المشكلات.
حيث أن المسألة ليست مسكنات للآلام تضر بالقضية في النهاية، بل المسألة علاج المرض، ولكن حكام المسلمين كانوا قد أخلدوا إلى الأرض وتحاكموا للشرعية الدولية المزعومة "وشرعنوا" المحتل وحرسوا حدوده و...
فالتعامل مع مسألة الكهرباء في غزة على أنها مجرد قضية إنسانية تزوير للحقيقة وحرف للمسار الصحيح، والتعامل مع غزة منفصلة عن الضفة الغربية تقسيم للمقسم، والتعامل مع غزة والضفة الغربية منفصلتين عن باقي فلسطين المحتلة خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين وتضييع لأرض إسلامية مقدسة ارتوت بدماء شهداء الصحابة ومن اتبعهم من المجاهدين الأخيار.
وأهل فلسطين ليسو متسولين، بل هم جزء مهم من أهل البلاد الإسلامية المكتنزة بالثروات، وليسو مقطوعي الصلة جغرافياً بالعالم الإسلامي فمصر لا يفصلها عن غزة سوى عشرات الأمتار وجدار معنوي فكري متمثل في الوطنية المقيتة.
والأهم من ذلك كله أن مشكلة فلسطين ومن ضمنها غزة تكمن في الاحتلال، والمسلمون قادرون على إزالة هذا الاحتلال بشكل قطعي فحدود مصر والأردن وسوريا ولبنان تكاد تنطق وتعلن اشتياقها لاحتضان معركة حقيقة لا تتوقف إلا بشطب كيان يهود البغيض من أرض الواقع وإحالته إلى ذكرى سيئة من ذكريات الأمة، ولكن الحكام وسياساتهم التابعة للدول الاستعمارية تمنع أي تحرك نحو التحرير الحقيقي، وتصب في خدمة الخطة الأميركية لتسليم معظم فلسطين ليهود المسماة "حل الدولتين"، وكل تحركاتهم السياسية تصب في هذه الاتجاه ولا فرق في ذلك بين دول الاعتدال ودول الممانعة كما يطلق عليهم فرؤيتهم واحدة وأساليبهم مختلفة.