عزيمة الأسرى وتقاعس الجيوش فعل الملعقة وصمت الأسلحة!

 بقلم: د. مصعب أبو عرقوب

 

جسد ستة من الأبطال الأسرى في هروبهم من سجن لكيان يهود عزيمة وصبرا وجرأة أعادت لأهل فلسطين والأمة الثقة بأن شباب الأمة قادرون على تلقين الأعداء دروسا في التحدي والإصرار ومقارعة الظلم وعدم الاستسلام والخنوع، قادرون على شل منظومة الأمن التي يتغنى بها كيان يهود ويروج لها، بل قادرون على تمريغ أنف يهود في التراب بأدوات بسيطة عملت بأيد في الأسر تحت سجن محصن أشد التحصين.

تحصين لم يقف عائقا أمام عزيمة ستة أبطال وضعوا هدفا وحفروا في الأرض حرفياً لإنجازه، فكان النور في آخر ذلك النفق نتيجة لجلَد وتخطيط وعمل دؤوب، وقبل كل ذلك إيمان بهشاشة ذلك الكيان الغاصب، وعدم استسلام لما يروّج عنه من قوة ومنعة، فانتصر الأسرى على سجانهم قبل أن يخرجوا من ذلك النفق ولم يكن خروجهم إلا تكريسا لهشاشة ذلك الكيان الغاصب في عيون الأمة وبقية شبابها ليلتقطوا الرسالة من هؤلاء الأبطال.

أبطال لن يستطيع كيان يهود الهش أن يرمم بمشهد إعادة اعتقالهم صورة ذلك النفق العظيم الذي أسقط ما تبقى من هالة زائفة حول قدراته الأمنية، بعد أن أسقطت كتيبة الأمة المحاصرة في قطاع غزة الهالة العسكرية الزائفة عنه في المواجهة الرمضانية الأخيرة بأسلحة خفيفة وبدائية.

بدائية كالملعقة أو غيرها مما استعمله الأبطال في حفرهم للنفق المفضي للنور، بدائية لكن كان فعلها عظيما بعظم عزيمة وإرادة حامليها. بدائية لكنها تفوقت على المجسات الدقيقة والتصاميم الهندسية المعقدة والكاميرات المتطورة ومنظومة الأمن والمراقبة! فالأدوات لا تصنع الأحداث ولا تمتلك الأرض ولا تحجب الشمس، والأدوات والأسلحة تتبع حاملها وتلتحم بيد مستخدمها لتنجز ما يريده إن توفر الإيمان والإرادة والعزيمة.

عزيمة كتلك التي توفرت عند أبطال الأمة الستة وإيمان ترسخ بهشاشة ذلك الكيان وحتمية اقتلاعه من بلادنا، وإرادة جدية للعمل الفوري فكان لهم ذلك المشهد المهيب والرسالة البليغة للأمة وشبابها:

فإن كانت عزيمة ثلة من الشباب في الأسر قادرة بأدوات بسيطة بدائية على التفوق على كيان يحتجزهم في زنازين وتحت مراقبة منظومة أمنية متكاملة على مدار الساعة يفاخر بها العالم، إن كانت هذه الثلة من الأبطال قادرة على صناعة ذلك المشهد المهيب من الانتصار على ذلك الكيان الغاصب المجرم وإذلاله وإدخال الفرحة في قلوب الأمة الإسلامية بأسرها من مشرق الشمس إلى مغربها، فكيف إذا تحركت قوى هذه الأمة الحية الحرة وجيوشها التي تملك الأسلحة الفتاكة والمتطورة؟! هل سيبقى حينها أسرى في زنازين كيان يهود، وهل سيبقى لكيان يهود سجون وزنازين، بل هل سيبقى كيان يهود المسخ نفسه قائما على هذه الأرض المباركة؟!

مباركة فلسطين برجالها وأهلها ورسائلها لأمتها العزيزة التي أرسلتها عبر كل تحرك وبطولة تتجسد على هذه الأرض المباركة، فالرسالة اليوم كتبها أبطال من الأسرى بعزيمة صلبة وإرادة فولاذية كرست حقائق مجسدة بمشهد النفق والملعقة.

فالملعقة مصحوبة بالإيمان الخالص والعزيمة الصادقة والإرادة الحقة، بأيدي أبطال هم الرجال الرجال وإن كانوا في السجن فإنها تصنع بمعية الله القوي المتعال نفقا للحرية والانعتاق من الأسر، وكذلك الأسلحة فهي بيد جيوش الأمة وقواها الحية الحرة قادرة بإذن الله الجبار على صناعة النصر على كل الأعداء، وتحرير الأسرى والمسرى والأرض المباركة كافة من بحرها إلى نهرها، بل قادرة على الخروج من سجن القومية والوطنية المظلم وتحطيم حدود سايكس بيكو اللعينة التي صنعها وسجنها فيها الاستعمار.

استعمار لن يقوى لا هو ولا الأنظمة العميلة له القائمة في بلاد المسلمين على الوقوف في وجه هذه الأمة لو تحركت بإيمان راسخ وعزيمة صادقة وقامت بواجبها أمام الله ثم أمام الأسرى، فنبيّ هذه الأمة الكريمة عليه وآله الصلاة والسلام قد أمرها أمرا جازما بالعمل على تحرير الأسرى بقوله: «فُكُّوا الْعَانِيَ» أي الأسير.

فالأسرى قاموا بواجبهم وزيادة وأبرقوا للأمة رسالتهم واضحة جلية، والدور الآن على الأمة أن تعمل بجدية وإيمان وعزيمة أولئك الأبطال لتحريرهم هم وجميع الأسرى بتحريك جيوشها وكل قواها الحية وأدواتها ليصنعوا مشهدا للعزة والنصر يشفي صدور قوم مؤمنين ويدخل الفرحة على كل بيت من بيوت المسلمين كما أدخله أولئك النفر من الأسرى الأبطال.

فالأبطال الذين صنعوا النفق بملعقة أو غيرها، ما كان للاحتلال أن يعيد القبض عليهم لو وجدوا مكانا يلجأون إليه أو قوة يحتمون بها، فبعد أن نجحوا بالفرار بشكل أذل كيان يهود وكسر هيبته وعنفوانه الأمني، ورغم مرور أكثر من خمسة أيام في حينه، تكفي سويعات منها للوصول إلى أقرب نقطة للحدود مع الأردن أو سوريا أو لبنان أو حتى مناطق السلطة الفلسطينية، إلا أنهم لم يلجأوا إليها لأنهم يعلمون مكر الحكام وعمالتهم، فلو كان الأسرى يدركون أنهم سيجدون معونة أو استقبالا أو حتى غض البصر عنهم في دول الجوار حيث الأهل والإخوة، لما بقوا أياما في الأحراش وبين الجبال والمروج يصارعون الحياة ومطاردة آلاف العناصر الأمنية التي تلاحقهم ليل نهار. فالأرض والفضاء الذي خرج له الأبطال كان يجب أن يكون من صناعة أبطال الأمة وجيوشها بالتحرير واقتلاع كيان يهود، حتى لا تقابل عزيمة الأسرى بتقاعس الجيوش وفعل الملعقة بصمت السلاح!

- لقراءة المقال على موقع جريدة الراية: https://bit.ly/3nxE3KZ