علاء أبو صالح

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير

يتراوح وضع الدول على المستوى السياسي بين حالين لا ثالث لهما، إما أن تكون الدولة دولة مؤثرة يكون لها جولة وصولة بين أقرانها فتكون من أصحاب القرار في الساحة الدولية والإقليمية وإما أن تكون دولة تابعة أو تدور في فلك من هو أقوى منها تأثيراً ووزناً، وتصنيف الدول ضمن هذا المقياس قابل للإختلاف والتغير لأن عجلة الزمان دائمة الحركة لا تتوقف ترفع أقواماً وتضع آخرين، وهذه سُنّة من سنن الله في الكون والناس (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ولكن هذه السُنّة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسُنّة آخرى ألا وهي ديمومة الحق والصلاح وظهوره ولو بعد حين وحتمية زوال الباطل مهما علا وارتفع (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) وما بين هاتين السُنّتين سنين وربما عقود أو قرون يصول فيها الباطل ويجول . وهذه الحقائق والسُنن ليست مرتبطة بوجهة نظر خاصة وإن دلل عليها الإسلام بنصوص وأدلة، فهي حقائق وسُنن كونية يلمسها كل متدبر لحال الدول والأمم وتقلبات أحوالها، فدول تضعف وأخرى تقوى، وأمم ترتفع وأخرى تنحدر بل ودول وأمم تتلاشى وحضارات تندثر، لذا كان على كل عاقل أن يتدبر حقيقة هذه السُنن وان يقف عندها مليّاً، ليستقي منها الدروس والعبر ولئلا ينخدع بمظاهر التغييرات التي ربما كانت تغييرات آنية أو "زبدية" سرعان ما تتلاشى لئلا يكون المرء من المغرر بهم ومن الضالين المستكبرين .ما دفعني لكتابة هذه السطور هو الوقوف على تصرفات وتصريحات قادة العالم الإسلامي بعربهم وعجمهم والهالة الكذّابة التي يحاطون بها، ففي خضم متابعة نشرات الأخبار وجولات الحكام المكوكية التي تأخذهم الى عواصم الدول الغربية من واشنطن الى لندن أو باريس يكاد المرء أن يفقد فطنته ووعيه لوهلة فيظن صدق هذه الأنباء بشكلها المعلن وديباجتها المزركشة فيظن أن لهؤلاء الحكام وزناً أو شأناً سياسياً يحسب له ألف حساب أو يُأخذ بعين الإعتبار حال صياغة الدول الكبرى للموقف الدولي، والحقيقة التي لا يخطؤها كل من انسلخ عن القشور والبهرجة الإعلامية وجيش المصفقين لهؤلاء الحكام والطبقات السياسية المحيطة بهم أن هؤلاء الحكام لا يملكون من أمرهم من قطمير، فلا بيدهم إعلان حرب أو عقد معاهدة سلام، وليس بمقدورهم حتى إتخاذ قرار بإيجادة تنمية حقيقية في بلدانهم أو إلهاء شعوبهم بمشاريع لا تسمن ولا تغني من جوع، علاوة على أنهم يهيمون في فراغ لا جاذبية فيه في المحافل الدولية تافهها وقيّمها .وما فقدان هذا الوزن والتأثير إلا بعد أن انحدرت الأمة الإسلامية عن وصفها أمة رسالة تحملها وتناضل في سبيل نشرها وبعد ان أصبحت مزقاً مشتتة على رأس كل مزقة أجير أو وكيل للقوى الغربية الإستعمارية أسموه حاكماً أو ملكاً او أميراً.وهذا القول ليس رجماً بالغيب أو فهماً شاذاً للواقع بل هو الوصف الحقيقي للواقع السياسي لهؤلاء الحكام، لكن من دورة الزمان أن فقد البعض المقاييس والأدوات اللازمة لتشخيص الواقع، بل إن البعض أصبح يرى الإستكانة والإنبطاح للعدو قوة وسياسة ويرى في التخاذل تكتيكاً ومرحلية، ويرى في المحتل شريكاً ومخلّصاً، ويرى التعامل معه وتلقف مشاريعه مسايرة للتغيرات الدولية او إلتقاء مصالح، وقائمة المبررات هذه تستعصي على الحصر وهي في ازدياد واطراد .لكن العاقل والمبصر لا يمكن أن يخطأ الحق والحقيقة، فمهما قيل في السير في مشاريع القوى الغربية الإستعمارية وتنفيذ أجنداتها لا يمكن ان يصف المرء هذا السلوك سوى بالتبعية، ومهما قيل عن الانبطاح والإستجداء لهذه القوى فلا يمكن ان يوصف هذا الفعل سوى بالعبودية، ومهما قيل عن السماح للقوات الأمريكية والغربية بإقامة قواعد عسكرية في بلاد المسلمين فلا يمكن أن يوصف هذا الفعل سوى بفقدان السيادة والقرار، ومهما قيل عن حكومة أنشأها المحتل وأنشأ أجهزتها الأمنية ودرب عناصرها وانفق عليها الملايين فلا يمكن أن توصف هذه الحكومة سوى بأنها صنيعته، ومهما قيل عن الخضوع لشروط البنك والصندوق الدوليين فلا يمكن وصف هذا الفعل سوى ببيع البلاد في سوق النخاسة بجعلها رهينة هؤلاء الجزّارين، ومهما قيل عن اتخاذ الحكام واشنطن ولندن قبلة لهم فلا يمكن ان يوصف هذا الفعل سوى بفقدان الإرادة والسيادة، ومهما قيل عن التفريط ببلاد المسلمين وتمليك المحتل شبراً واحداً فيها فلا يمكن أن يوصف هذا الفعل سوى بالخيانة، ومهما قيل عمن تحاور واستقبل من أساء لديننا ورسولنا فلا يمكن أن يوصف هذا الفعل سوى بالانهزامية، وغير ذلك الكثير.فما الذي ألجأ هؤلاء الحكام والطبقات السياسية المحيطة بهم الى اللجوء الى هذه التبريرات والشعارات الكاذبة ؟! هل هو الخوف من الإعتراف أننا نعيش مرحلة هزيمة ؟! أم هو الخوف من متطلبات الخروج من هذه المرحلة ؟! أم هو الاستكبار السياسي الذي أوهم هؤلاء بأن تبعيتهم وانخراطهم في المخططات الإستعمارية عمل سياسي حقيقي فظنّوا أنهم بحق قادة وسياسيون وزعماء سيذكرهم التاريخ ؟!!!   إن مما يعد أشد خطورة من الظروف السيئة التي نعيشها في هذا الزمان هو فقداننا لمقاييس الحق والباطل والأمانة والخيانة والصدق والكذب، فإذا فقدت الأمة هذه المقاييس كان من السهل خداعها وتضليلها والتلاعب بقضاياها .كما أنه من الطبيعي على أمة عريقة تاريخها ممتد لألف وأربعمائة عام أن تمر بمراحل ضعف وكبوات بل إن من مميزات هذه الأمة أنها حافظت على صبغتها كأمة ولم تندثر ولم تفقد مبدأها برغم كل الظروف والعوامل التي أحاطت بها، وليس غريباً على أمة هذه حالها أن تتعلم من كبواتها وما يحل بها لتعقد العزم وتأخذ زمام أمرها من جديد فتعود كما كانت في مقدمة الدول وخير الأمم، ولكن المعيب لهذه الأمة أن تبقى ساكتة على حكام يدّعون الإستقلالية في اتخاذ القرار وهم كاذبون، ويدّعون الحرص على مصالح الأمة وهم بها يتربصون، ويزعمون السيادة والسلطان وهم عبيد وأجراء للمستعمرين، يجادلون في الحق من بعد ما تبين لهم ، يستكبرون على كل داعي للتغيير وخلاص الأمة وهم من كرّس في الأمة التبعية والذل، فهل آن الأوان للأمة أن تعجل في دورة الزمان من جديد ؟.