المهندس أحمد الخطيب

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

 

   على مدى ثلاثة وعشرين يوما شاهد المسلمون صمودا من أهل غزة في وجه آلة الحرب اليهودية قل نظيره، وذلك بصدورهم العارية وبخفيف السلاح، وشاهد العالم إيغالا في القتل وسفكا لدماء الأطفال والنساء الزكية وهدما للبيوت والمساجد والمدارس على أرض غزة الأبية، في محاولة لكيان يهود، إخضاع أهل غزة لشروط استسلام وهدنة مهينة اتفقوا عليها مع حكام مصر وغيرهم من المتآمرين والأعداء، ثم أصاب الوهن كيان يهود، فكان حديثهم عن تحقيق الأهداف وإيقاف الحرب من جانب واحد، وخلال ذلك وبعده تتالت القمم والمؤتمرات في الرياض والدوحة وشرم الشيخ ثم الكويت، وتتابعت التصريحات الرنانة والمنازلات الكلامية، والمصالحات الموجهة من الأسياد، والتسابق في إيهام الشعوبعلى أن هذا الحاكم أو ذاك كان أحرص الناس على حياة أهل غزة وعلى المقاومة وعلى إيقاف العدوان، والمدقق في مجريات الأمور يتوصل إلى مجموعة من الحقائق لا يغفل عنها إلا جاهل أعمى البصر والبصيرة، ومن هذه الحقائق، ما كان يهود ليجرؤا على التفكير بالاعتداء على المسلمين لو كانوا يعلمون أن حاكما واحدا سيحرك جيشه لنصرة أهل غزة، بل إن قادة كيان يهود صرحوا أن الحكام كانوا يُصلون لأن ينتصر اليهود على أهل غزة لرفع معنويات جنودهم، فمنذ بدأ العدوان على غزة ومعظم حكام العرب والمسلمين يحملون المسئولية للضحية ويبرؤون المجرم، ويوجهون سهامهم ووساوس شيطانهم لقادة المقاومة من أجل رفع راية الاستسلام والقبول بإملاءات كيان يهود وبما يحافظ على كيان يهود وأمنه.

 

        ومن الحقائق أن صمود وصبر أهل غزة بقلوبهم العامرة بالإيمان وبخفيف السلاح ليثبت كما ثبت من قبل في لبنان وفي معركة الكرامة، أن كيان يهود نمر من ورق رسمه حكام العرب والمسلمين من مخيلتهم المريضة لشعوبهم ليتخلوا عن مسئولياتهم بتحريك الجيوش لتحرير فلسطين كل فلسطين من براثن يهود وإنهاء هذا الكيان السرطاني الخبيث، فهذه الجيوش قادرة على ذلك إذا أحسنت الإعداد وأخلصت النيات، وملكت الأمة قرارها السياسي والعسكري.        وحقيقة أخرى ظهرت بشكل واضح، عندما صمدت غزة في وجه الغزاة خلافا لما كان يتوقع المتآمرون، تسابق الحكام والسماسرة وتجار الحروب لقطف الثمار من خلال التسابق على الخطابات الرنانة محاولين إظهار أنفسهم أنهم مع المقاومة ومع أهل غزة ذارفين دموع التماسيح على الأطفال والنساء والشيوخ، وذلك كما ظهر فجأة الرئيس المصري ووزير خارجيته ليتحدثوا عن وقف العدوان الإسرائيلي وسحب قوات الاحتلال من قطاع غزة بعد أن تيقنوا أن كيان يهود سيوقف المعارك وينسحب من غزة، وآخرون تحدثوا عن الأموال والإعمار والمساعدات محاولين مسح العار والذل الذي حفر على جبينهم نتيجة خذلانهم لإخوانهم خلال فترة العدوان الوحشي وساعين للتأثير على أهل غزة وقادة المقاومة للتعاون معهم والانصياع لقرارات الدول الكبرى وقرارات مجلس الأمن وقرارات كيان يهود بحيث يتحول النصر والثبات والصبر إلى هزيمة وليحققوا لكيان يهود ما لم يستطع تحقيقه بالقتل والدمار والتخريب والإرهاب، وهذا كله تزامن مع الخوض عن عمد في كيفية صرف الأموال ولمن تصرف بحيث تشوه صورة هذا الشعب وصورة التضحيات العظيمة والصمود البطولي لأهل غزة، وفي نفس الوقت تتحول الأموال لجيوب التجار الذين باعوا البلاد والعباد، لذلك على فصائل المقاومة أن تحافظ على الشرف الذي حصلت عليه بهذا الصمود أمام جرائم يهود فلا تسمح لسماسرة أمريكا ويهود وأوروبا الذين اجتمعوا في شرم الشيخ والكويت أن يضيعوا دماء الشهداء والجرحى في اتفاقية تأكل الأخضر واليابس، بل على المقاومة أن تستمر في رفض التفاوض مع يهود أو السلام معهم أو التطبيع معهم.         ومن الحقائق التي ظهرت خلال تحركات الشعوب الإسلامية في كافة أرجاء المعمورة، أن الأمة لن تغفر لعصابات الحكم الجاثمة على صدرها هذا الخذلان وهذا التواطؤ مع أعداء الأمة، ولن ينفعها تبريرات البعض لعدم تحريكها الجيوش، وسيأتي يوم الانتقام منهم وسحلهم في الشوارع ولعذاب الآخرة أشد وأعظم لو كانوا يعقلون، وأما بالنسبة لكيان يهود فالأمة تقول لهم، إنكم تعيشون وسط طريق مزدحم بجموع المسلمين وستداسون بأقدام الأمة يوم نخلع هؤلاء الرويبضات من كراسيهم وننصب خليفة للمسلمين مكانهم، ولن ينفعكم حبل الناس الممدود لكم بعد انقطاع حبل الله عنكم لكفركم وجرائمكم التي طالت النساء والأطفال والشيوخ العزل، وحينها لن تجدوا من يترحم عليكم، لانكشاف فظائعكم وجرائمكم أمام العالم أجمع، ولكنكم لا تعقلون.{ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }